المشاركات

عرض المشاركات من أغسطس, 2025

حواريات مارتن و كارل: أزمة طفل في ثوب رجل

حديقة في مساء غامض. كارل ومارتن يتمشيان، تتعانق أصوات الريح مع وقع خطواتهما. يجلسان على مقعد خشبي قديم. مارتن (بصوت متردد): كارل، ما أثقل القلب حين يعطي، ثم ينتظر في صمت كمن يمد يده ولا يلقى غير الفراغ. كارل (ضاحكًا، يلوّح بيده): الفراغ يا صديقي أكثر وفاءً من بعض القلوب. فهو على الأقل، لا يعدك بشيء! مارتن (بعينين غارقتين): أتهزأ بي؟ أنا أتحدث عن الجرح، وأنت تقدم لي نكتة. كارل (ساخرًا بجدية): النكتة يا مارتن ليست إلا الحقيقة حين ترتدي قميصا قصيرا كي لا تبدو وقورة أكثر من اللازم. مارتن: لكن قل لي... لماذا نشعر بالنقص حين لا يرد علينا الآخر بسرعة؟ لماذا يتحول غياب رسالة صغيرة إلى امتحان قاسٍ للكرامة؟ كارل (يميل نحوه بهدوء): لأننا لم نتعلم بعد كيف نصادق الوحدة. حين نصادقها، لا نحتاج إلى رسائل كي نثبت أننا موجودون. مارتن (متذمرًا): إذن تريدني أن أعيش كراهب، أن أتعلم أن أكون حجرا؟ كارل: الحجر أكثر حكمة منا. فهو لا يسأل النهر لماذا مرّ ولم يقف، ولا يخاصم الريح إن تجاهلته. مارتن (بصوت ينكسر بين الجد والهزل): وما نفع القلب إذن إن صار حجراً؟ كارل (ساخرًا برهافة): القلب ليس ليُطالب بالردّ، بل ليض...

حواريات مارتن و كارل: قلوب على طاولة الواقع

المكان: مشهد سينوغرافي يحمل انطباعا لمقهى يطل على ساحة الأمم، طاولتان صغيرتان، ضوء أصفر خافت...كأن الشمس لا تريد أن تغرب... أصوات فناجين، وضحك بعيد....يدخل "مارتن" متوترًا، يجلس أمام "كارل" الذي يقرأ جريدته اليومية كالعادة... مارتن: (بصوت متردد) على أساس ماذا نحب يا كارل؟ وعلى أساس ماذا نبقى أوفياء؟ حتى وإن كتبنا رسائل الفراق بأيدينا؟ كارل: (يضع الجريدة ببطء، ينظر إليه بابتسامة ساخرة) سؤالك يذكّرني بإشكاليات لا تنتهي. لكن الأجوبة دائمًا قصيرة العمر، مثل زهور مقطوعة . مارتن: (بنفاد صبر) لا تراوغني. أريد جوابًا، لا رائحة فلسفة منزوعة الدسم . كارل: (يتنهّد، يرفع صوته قليلًا كأنه يخاطب الجمهور) الحب يا صديقي ليس ميثاقًا مكتوبًا بخط اليد ولا عهدًا عند كاتب العدل. الحب... هو فوضى من نوع خاص، نوقّع عليها بأرواحنا، ثم ننكرها عند أول اختبار للواقع . مارتن: (يميل للأمام) إذن الوفاء وهم؟ مجرد شعار؟ كارل: (ضاحكًا بمرارة) الوفاء؟! هو عادة أكثر منه قيمة. نكرّرها كما يكرّر الناس قولهم: "هذه هي الحياة". وكأنها تبرير عالمي لكل خيانة، لكل سقوط، لكل ق...

حواريات مارتن و كارل: طغيان اللحظة

  المكان: مقهى صغير على زاوية شارع، طاولة عليها فنجانان لم يُشربا بعد. الزمان: بين لحظةٍ لم تبدأ، ولحظةٍ لن تنتهي. مارتن (يحدق في الفنجان) : كارل، لماذا لا تصبر؟ لماذا أنت عديم التريّث؟ في كل شيء لا تستطيع أن تنتظر… كأنك تفقد الأمل إن لم تُفتح لك الأبواب في لحظتها . كارل (بحدة هادئة) : لأن الأبواب حين تُغلق دقيقة، أشعر أن خلفها مدينة كاملة تحترق. الانتظار، يا صديقي، موتٌ بالتقسيط .   مارتن (ساخرًا) : الموت نفسه ينتظر! ألا ترى كيف يصبر على البشر واحدًا واحدًا، حتى يأتي دوره؟ كارل (يضحك بمرارة) : لو كان في الحب منطق… لَما قيل لمن يحب: انتظر . ولو كان في الوفاء حكمة… لما تُركت الرسائل دون ردّ . أنا، يا مارتن، أردّ حتى على الرسائل الغريبة… لأنني أرى في التأخير إهانة للحياة ذاتها . مارتن (يهز رأسه) : ولكنك تحرق نفسك بهذا اللهب، ثم تشكو الرماد . كارل (بصوت متصاعد، كأنه يخطب) : أنا لا أحرق نفسي… أنا أُضيء الظلمة التي يصنعها الانتظار . أتعرف، يا مارتن؟ مشكلتي ليست مشكلتي وحدي… إنها مشكلة عالم كامل يختبئ خلف كلمة "غدًا ". العشاق يقتلون قلوبهم بتأجيل لقاء،...

حين تصير الخرائط أجنحة

صورة
  صِرتُ أضعُ يدي على صدري فأسمعُ حجَرًا يتعلَّمُ اسمَ الماء، وأرى نبضي يسبقُ شمسَ عينيَّ بساعةِ حنينٍ أو أكثر . صرتُ أُحبُّ ما يبتعدُ كي أراه، وأشتاقُ لأيّامٍ ظننتُها لن تنتهي فانتهتْ لتبدأ فيَّ . صرتُ أقرأُ جرائدَ الشرقِ لأطمئنَّ، وأتعلَّم من طبولِ الفيتنام أنَّ البعيدَ يستطيعُ أن يوقظَ قلبًا لا يعرفُ سببَ ارتعاشِه . صرتُ أفكّرُ في المغرب كأنَّه جزيرةٌ أُزيحَتْ قليلًا لتسكنَ جهةَ هوىً لا جهةَ خرائط، وأقولُ: ليست الأوطانُ مكانًا، إنما الأوطانُ ما يعرُجُ فينا حينَ نغفو . هيه يا حياةُ، يا معلِّمةَ الصبرِ على نارٍ تمشي، يا خيطَ نورٍ يُحيكُ بردَ الروح، لماذا تأخذينَ منّا الخطوةَ الأولى ثم تترُكينَ لنا بقيةَ الطريق؟ هيه يا حكيمُ، علِّمني كيف يُمسكُ القلبُ بالعالم ولا ينكسر . فقال : خذْ من الحجرِ ثِقَلَهُ كيلا تذروكَ رياحُ الخبر، وخُذْ من الماءِ دأبَهُ، فليسَ للوادي أن ينجو إلا إذا صَبَرَ على صخرِهِ . وخُذْ من النارِ نورًا لا حريقًا، فإنّ النارَ إذا جاعتْ أكلتْ صاحبَها، وإذا شبعتْ أضاءَتْ طريقَ مَنْ أحبّ . وخُذْ من الهواءِ خِفَّتَه، فما طارَ إلا لأنّه ...

دمعة خلف الهدية

كلما مددت يدي بالعطاء، وقذفت شيئاً من نور قلبي في ظلمة الأيام، وجدت نفسي واقفاً أمام مرآة الآخرين ... إن قالت المرآة: "هذا لا يكفي"، شعرتُ وكأن نهراً عظيماً جفّ في داخلي ... وإن قالت: "أحسنت"، أضاءت في روحي شمعة، لكنها سرعان ما تنطفئ حين يسكنني السؤال: هل فعلتُ ذلك حقاً لأجلهم، أم لأرى صورتي مشرقة في أعينهم؟ العطاء والجرح إنني حين أعطي، أهب ما يفيض من قلبي، ولكنّ القلب جريح ... الناس يطلبون الكمال في هديتك، ولا يرون الدمعة المختبئة خلف ابتسامتك .... ولأنّهم لا يرون، يظنون أنك قصّرت ... أما أنت، فتعود إلى نفسك مثقلاً، كأنك لم تفعل شيئاً. وهنا يولد الحزن . ما يكفي وما لا يكفي ليس في وسع إنسان أن يكفي إنساناً آخر، فالحاجة في قلوبهم بحر لا قرار له ... كل ما نفعله ليس إلا قطرة، فإن رأوها صغيرة، غابت عنهم أنها خرجت من أعماقنا .... وإن رأوها عظيمة، نسوا أننا أعطيناها ونحن عطاشى ... فلا تزن نفسك بمقياسهم، ولا تزن حبك بموازينهم؛ فالحب الذي لا يُحسب هو وحده الحب الصادق . ما العمل؟ اعمل ما يولد من قلبك، ودع الحكم لسماء أوسع من قلوب البشر ... افرح بما صنعت، ولو لم ي...

حواريات مارتن و كارل: فضيلة للبيع... بنصف ثمن

صورة
المشهد: غرفة بسيطة، ضوء خافت. كارل يدخل مرتبكًا، يمرر يده في شعره وكأنه يبحث عن منفذ لقلقه. كارل (بصوت متهدج) : إنني صرت لا أعرف كيف أشرح ما يقع... كيف يمكن أن يحدث هذا؟ إنني أفعل ما أراه صوابًا، بل أعيش كل يوم باحثًا عنه، منقبًا عن تلك الشرارة الصغيرة التي تسمى الخير. ومع ذلك... يبدو أن العالم يسخر مني، وكأن الفضيلة مجرد مزحة في سوق مكتظ بالأنذال . مارتن (يرفع حاجبيه، نصف ابتسامة ساخرة) : أنت تتحدث كمن اكتشف سرًّا، بينما ما تقوله هو أقدم من سقراط. حاول أن تشرح أكثر: هل الخير الذي تريده هو لك، أم للعالم الذي لا يكترث لك؟ كارل (متحمسًا، يتقدم خطوة) : كلاهما! أريده لأنني أشعر أنني إن لم أنتمِ للفضيلة سأفقد نفسي، وسأغرق في هذا الوحل من التناقضات. وأريده للآخرين لأن حياة بلا أخلاق ليست سوى قطيع بلا راعٍ... لكن المشكلة أن القطيع نفسه يضحك على من يحاول أن يقوده نحو الضوء . مارتن (بصوت هادئ، يميل على كرسيه) : إذن، تريد أن تكون راهبًا في سيرك، عاشقًا في مقبرة، فارسًا في زمن النيون والإعلانات. أليست هذه رومانسية ميؤوس منها؟ كارل (ينظر إليه بحدة) : أو لعلها هي وحدها الحقيقة. ...

حواريات مارتن و كارل: ربيع القلوب الممزقة

  في فندق شالة، حيث الأشجار تنحني كأنها تستمع إلى موسيقى الليل، جلس كارل وحيدًا بين الضجيج، يشرب من كأسه رشفة صامتة، وكأنها رشفة من فكر قديم. يدخل مارتن بخطوات مترددة، يبحث بعينيه بين الطاولات. لمّا رآه، ابتسم في سره، وتقدم نحوه . مارتن (ساخرًا وهو يسحب الكرسي) : كارل، ما زلتَ صديقًا للوحدة؟ يبدو أنك تفضل كأسك على صحبة البشر . كارل (بابتسامة مائلة) : الوحدة أصدق الصحاب يا مارتن، فهي لا تطلب مني أن أضحك حين لا أريد، ولا تلوم قلبي إذا لم يعرف الفرح . مارتن (يهز رأسه) : تتحدث كما لو أن الحب لم يطرق بابك قط. ألم يقولوا إن السعادة هي ابنة الحب؟ كارل (ضاحكًا بمرارة) : الحب يا مارتن؟ إنه ضيف ثقيل يأتي بلا موعد، يملأ بيتك بالوعود، ثم يرحل تاركًا وراءه صحونًا مكسورة وذكريات لا تصلح إلا للكتابة . أما السعادة… فهي جارة صامتة، تبتسم لك من النافذة حين لا تنتبه . مارتن (ساخرًا) : إذن أنت لا تؤمن بالحب؟ غريب! كل الفلاسفة تظاهروا أنهم يفهمونه، وكل الشعراء جعلوا منه قوت يومهم . كارل (بهدوء أقرب إلى الاعتراف) : أنا لا أنكر الحب، بل أضحك منه . الحب يَعِدُنا أن نصير اثنين...

القوة في أن تُرى كما أنت

صورة
في هذا العالم المتكاثر بالستائر والجدران، يتعلم الإنسان منذ طفولته أن يخبئ وجهه الحقيقي. ينمو وهو يحمل حقيبة أسرار، يتعثر بها في طرق الحياة، ويظن أن قيمته مرهونة بما لا يراه الآخرون منه. لكنه ينسى أن سرّه ليس سوى ظلٍّ ملقى على جدار هش، وأن قوته الحقيقية ليست في ما يخفي، بل فيما يعلن . لقد قيل لنا إن الخصوصية هي الحصن الأخير للحرية. لكنني أرى العكس: إن الخوف من انكشافنا هو عبودية صامتة، تجعلنا أسرى لذواتنا قبل أن نُستعبد من الآخرين. فما الحرية إن لم تكن أن تقف أمام العالم عاريًا من الأقنعة، وتقول: هذا أنا، بكل ضعفي وقوتي، بكل هزائمي وأحلامي؟ إننا نخاف أن يُعرف عنا ما نخبئ، لأننا لا نصالح أنفسنا مع ما نخفي. نمارس أفعالًا لا نرضاها، فنرتعب من لحظة انكشافها. لكن لو أحببنا أنفسنا كما هي، وأصلحنا ما نخجل منه، أما كنا نغدو كالأشجار؟ تلك التي لا تخفي عن جاراتها أوراقها الذابلة، ولا تخجل من فروعها العارية في الشتاء؟ أما كنا نغدو كالطيور، تغني على مرأى من كل عين، ولا تخاف أن يُعرف سرّ صوتها؟ أيها الإنسان، لِمَ تظن أن ستر حقيقتك يحميك؟ لِمَ تعتقد أن الأسرار درع من الفولاذ؟ إنما هي قيود من د...

حواريات مارتن و كارل: حين يحكم الدجاج

  كارل: منشغل ببناء كوخ خشبي بسيط في وسط الخشبة. يحمل مطرقة ويتحدث مع نفسه أحياناً . مارتن: يقف بملابس أنيقة، متأنق أكثر من اللازم، ينظر باستغراب . الدجاجة (صوت أو ظل على الحائط): تظهر أحياناً بصوت عابر أو بضحكة خافتة . مارتن (ساخراً) : هاي كارل... ماذا تفعل هنا؟ تبدو وكأنك تكتب وصيتك على ألواح خشب ! كارل (مطرقاً، دون أن ينظر) : بل أبني كوخاً يا مارتن . مارتن (مندهشاً) : كوخ؟! في زمن ناطحات السحاب، أنت تعود إلى الكوخ؟ يقفز فجأة كمن اكتشف شيئاً آه! هل هربت من فاتورة الكهرباء؟ كارل (مبتسماً) : أهرب؟ لا يا صديقي... بل أؤسس مملكة . مارتن (ضاحكاً) : مملكة؟ أي عرش خشبي هذا؟ كارل (بهدوء يشبه المكر) : مملكة للدجاج . مارتن (يقهقه) : هاهاها! وهل ستجلس الدجاجات على العرش وتخطب في الشعب؟ كارل (متأملاً السماء) : ولِمَ لا؟ البشر جربوا الخطابة قروناً ولم يأتوا إلا بالحروب. ربما إذا خطبت الدجاجة، سيتعلم البشر شيئاً من الحكمة . الدجاجة (صوت خافت من الظلال) : قاقااااع! (تضحك وكأنها توافق) . مارتن (يتراجع خطوة) : يا رجل... حتى الدجاج يضحك من أفكارك ! ...

حواريات مارتن و كارل: من يشتري الغيوم؟

  المشهد الافتتاحي: إضاءة صفراء كئيبة، كأن الشمس علقت في منتصف الاحتضار...كرسيان خشبيان في منتصف الخشبة، أحدهما فارغ، والآخر يجلس عليه كارل متكئًا للخلف... مارتن يدخل بخطوات واثقة لكن مريبة، كأنه يفتش عن فكرة ضائعة في الجيب الخطأ .... كارل (ينظر إلى الفراغ أمامه وكأنه يتحدث إلى كون شفاف) :  مارتن… لقد فكّرت في كل شيء. كل شيء. حتى أنني بدأت أفكر في كيف كنت أفكر… ثم فكرت أنني فكرت بما يكفي… ثم فكرت أنني لا أريد أن أفكر… ثم فكرت في ذلك أيضًا . مارتن: (يجلس ويضحك) كل شيء؟ يا رجل، أنت لم تفكر في سبب اختفاء الجوارب في الغسالة ! كارل: (يغمض عينيه) هذا ليس سؤالًا فلسفيًا، هذا لغز من الدرجة الثالثة في جهنم . مارتن: بل هو قمة الفلسفة اليومية. إذا لم تستطع تفسير الجورب المفقود، فلن تفهم الكون . كارل: (بهدوء) الكون؟ الكون مجرد غسالة ضخمة… ونحن الجوارب . مارتن: (ساخرًا) جميل، إذن من هو مسحوق الغسيل؟ كارل: (يفتح عينيه فجأة) الوقت… الوقت يلتهم الألوان أولًا، ثم القماش، ثم (يتوقف وكأنه قال شيئًا خطيرًا) ثم أنت . مارتن: (يهز رأسه وكأنه يحاول طرد الفكرة) كارل، مشكلتك أنك ...