حينما التقيت روح كافكا
لم أعرف أي طريق أسلك… كانت الطرق كلها أمامي كأنها خرائط فارغة، بلا علامات، بلا إشارات. فاتكأت على حائط صغير، حائط لا يتسع إلا لرجل مثقل برأسه، مثلي، رجل يجرّ وراءه ظلّه الطويل المرهق من التفكير والانتظار والخيال. لم أسأل نفسي هل ثمة حائط آخر بقربي، أو هل هنالك آخرون توقفوا كما توقفت… كل ما رغبت فيه أن أترك خطواتي تستريح، أن أجلس في الفراغ وأراقب حياتي تتنفس ببطء.
بقيت هناك
لساعات طويلة، الزمن كان يذوب من حولي مثل ثلج في كأس ماء. أرتشف من قنينة نصف
فارغة وأمضغ بضع حبات لوز وجوز حملتها معي، لا كزادٍ لطريق، بل كذاكرة للأرض
والأشجار. وكلما مضغت حبة، شعرت أنني أمضغ شيئًا من طفولتي، شيئًا من حلمٍ لم
يكتمل. وكنت أفكر، أفكر حتى أثقل التفكير عينيّ، حتى بدا لي أن الأفكار ذاتها تبحث
عن حائط تستند إليه.
وفجأة، كسر
الصمت صدى صوت… لم أعرف هل هو نداء بعيد أم صوت صرخة ضاعت في الجبال. استدرت ببطء،
فرأيت رجلاً يقترب متعثرًا، كأنه يمشي بين النوم واليقظة. كان يبحث عن وقفة، عن
هواء، عن ماء. اقتربت منه، وناولته يدي. حين وقف، كان كمن خرج للتو من أعماق بئر.
قال بصوت متعب إنه عطشان. ناولته القنينة وما تبقّى من فواكه جافة، شرب ببطء، أكل
حبة أو اثنتين، ثم رفع عينيه نحوي. كانت عيناه مثل نافذتين مفتوحتين على عالم آخر.
تأملني طويلاً،
ثم قال: "أنا روح كافكا، من أنت؟"
ابتسمت، وشعرت أن السؤال لا يحتاج إلى هوية بل إلى صدى، فقلت: "أنا كارل جبران…"
ك.ج
تعليقات
إرسال تعليق