حواريات مارتن و كارل: أغنية الحزن و الصداقة
صمت طويل، يقطعه تنفس كارل المرهق. يرفع عينيه نحو النافذة كمن يلاحق طيفًا بعيدًا. مارتن يراقبه، مبتسمًا بنصف ابتسامة ساخرة...
مارتن (بصوت
مبحوح كمن يحدث نفسه):
أتعجب منك يا
كارل... أراك تصحو قبل الشمس، صائمًا عن الخبز والماء، كأنك تريد أن تحيا من هواء
هذا الصباح وحده... أي قلب هذا الذي يضيق بما وسعه الكون؟
كارل (ببطء،
كأن الكلمات تُنتزع من داخله):
لا تبحث في
قلبي يا صديقي... فالحزن لا يَسعُه فهم، بل هو نهر جارٍ تحت صخرة لا يراها أحد...
أنا مرهق، تائه بين ما كتبت وما لم أكتب، بين ما عشته وما لم أعشه... حتى هذا
الكأس من أزير الجبال، لم يشفِ عطشي...
مارتن (يضحك
بخفة، ثم يقترب قليلًا):
تكتب وتكتب،
حتى غدت مكتبتك مقبرة للأوراق، وكل كلمة فيها شاهد على وجعك...
ألا ترى؟ أنت
شاعر يملأ الدنيا أحزانًا، لكن قصائدك تبقى سجينة رفوفك...
كارل (بصوت
خافت، متحشرج):
دعني... دعني
ألجأ إلى صمتي، ففي الصمت وحده أجد ملاذًا من ضوضاء السؤال.
مارتن (ينهض،
يخطو ببطء نحو النافذة، ينظر إلى الأفق):
وهل أتركك
أسيرًا لصمت يلتهمك؟ لا يا كارل... أنت عزيز عليّ كما الربيع على أغصان عارية.
أنت محب، لكن
بلا حضنٍ يضمك... أنت حكيم، لكن بلا مشروع يوقظ العالم...
أنت شاعر، لكن
شعرك بلا قارئ.
يلتفت نحوه،
يمد يده كمن يطلب منه الاعتراف.
قل لي يا
صديقي... أليست الحياة جديرة بأن نعيشها حتى وإن جرحتنا؟
كارل (ينهض
ببطء، يقترب من النافذة، صوته يرتجف):
أجل، جديرة
ربما... لكنني لا أجد فيها نفسي....كل صباح يأتيني بوجه جديد للخذلان......كل مساء يتركني في حضن الوحدة...أنا غريب حتى عن فرحي، وأنت تطلب مني أن أروي قصصًا عن
السعادة؟
مارتن (يضع
يده على كتف كارل، بنبرة هادئة عميقة):
أنا لا أطلب
سوى قلبك... أن يبوح بما يخفيه. فحتى إن صمت العالم عن سماعك، أنا أصغي
إليك... ومن قلبي.
ألا يكفي أن
يكون ثمة أذن واحدة تسمع؟ ألا يكفي أن يكون ثمة قلب واحد يصدّقك؟
يصمت كارل
طويلاً، عيونه تترقرق بدمع خفيف. الضوء يتسع من النافذة، يملأ الغرفة شيئًا
فشيئًا. العصفور يغرد أقوى.
كارل (بهمس
كمن يعترف لذاته):
ربما يا
مارتن... ربما يكفيني قلب واحد... لعلني كنت أبحث عن السعادة في أماكن بعيدة،
بينما هي قريبة، في صدق صديق، في دفء كلمة، في حضن إنساني لا يخذل.
مارتن (يبتسم،
صوته يتهدج بالعاطفة):
ها أنت تقترب
من الحياة يا كارل... ها أنت تُبصر النور من وراء الغيم.
(تُطفأ
الأضواء تدريجيًا إلا من شعاع يدخل من النافذة، يضيء وجه كارل الذي يبتسم ابتسامة
صغيرة لأول مرة. يُسدل الستار.)
ك.ج
تعليقات
إرسال تعليق