النجاح والذنب معًا
أكثر ما يُربكني في هذا الزمن شعوري بأن العدالة غائبة، أو ربما لم تولد أصلًا. نعيش وكأننا في سباق طويل، نركض فيه بلا توقف. سباق لا نعرف قواعده، ولا نعرف من وضع خط النهاية، ومع ذلك نركض لأننا نريد عملاً، لأننا نريد أن نعيش بكرامة.
الفكرة موجعة: أن تكون مضطرًا للتميّز فقط كي تضمن لقمة العيش. أن يتحوّل الجهد والإبداع إلى وسيلة للبقاء، لا إلى تعبير عن الذات أو خدمة للآخرين.
سنوات طويلة عملت على تطوير نفسي. كتبت، شاركت، علّمت، وساعدت من حولي. أنشأت شبكة، وحصدت فرصًا جيدة بفضل المثابرة والتجربة. لكن بعد هذه السنوات، حين أنظر حولي، أرى شبابًا يتخبطون في بحثهم عن عمل، يتنقّلون من باب إلى باب، وكأنهم غرباء في وطنهم.
هنا يطلّ سؤال موجع: ما الفرق بيني وبينهم؟ لست أذكى ولا أصفى ذهنًا، كل ما في الأمر أن الظروف أهدتني نافذة صغيرة تمسكت بها، فيما لم يجدوا هم تلك النافذة بعد. هذا الوعي يجعلني قلقًا. أحيانًا أخاف أن يتابعني شاب أو فتاة يبحثان عن أمل، فيظنّان أن الطريق الذي مشيته مفروش باليُسر، بينما هو مليء بالحجارة والخذلان.
لهذا كنت دائمًا أحاول أن أشارك تجربتي كما هي، بلا تزيين. كنت ألتقي الشباب عبر منصات بسيطة، أحاورهم عن بناء الكفاءات، عن تطوير الذات، عن البحث عن المعنى وسط الفوضى. أسست مشروع "طائر الحكمة" لأكتب فيه عن هذه الأسئلة التي لا تفارقني: كيف يمكن للإنسان أن ينهض من داخله؟ كيف يطوّر ذاته دون أن يفقد روحه في زحمة السوق؟
لكن رغم ذلك، يبقى السؤال عالقًا: هل أنا أكتب لأنني أشعر بالآخرين بصدق، أم لأنني أهرب من شعوري بالذنب حين أنجح بينما غيري يتعثّر؟
ربما لا فرق. ربما هذا الوجع هو ما يجعلني إنسانًا. فأنا لست سوى واحد منكم، أحاول أن أعيش بكرامة في عالم يفرض علينا أن نثبت جدارتنا كل يوم. العدالة، إن كانت موجودة، فهي في داخلنا نحن، في قدرتنا على الاعتراف بضعفنا، ومشاركة قوتنا، وعدم تحويل النجاح إلى سور نفصل به أنفسنا عن الآخرين.
قد لا أستطيع أن أغيّر هذا السباق، لكن يمكنني أن أمدّ يدًا لمن يركض بجانبي، أن أذكّره أن ليس المطلوب أن نصل أوّلًا، بل أن نبقى بشرًا وسط الركض.
ك.ج
تعليقات
إرسال تعليق