حوار مع وردة وحيدة
أنا إنسان يا وردة، أعيش بين الناس، لكنني كثيرًا ما أشعر أنني غريب بينهم. أعطي ابتسامتي في الطرقات كي لا يثقل الحزن وجوههم، أُصغي لآلامهم كي يخفّ عنهم الحمل، أفتح لهم قلبي كي يجدوا فيه مأوى. لكن حين ينتهي الليل، أجدني وحدي، متعبًا، يلفّني الصمت. أكتشف أنني نسيت أن أُصغي لنفسي، أن أداوي جرحي، أن أبحث عمّن يمنحني أنا أيضًا كلمة حنان.
هل يمكن للإنسان أن يكون وردة؟ أن يعيش جماله رغم القسوة، أن يظل معطّرًا رغم الغبار؟ أحيانًا أشعر أنني وردة ذابلة في يد من لا يعرف قيمتها، وأحيانًا أرى نفسي كزهرة وحيدة تنمو في حافة الطريق، يمرّ بها الناس دون التفات، لكنها مع ذلك تواصل التفتّح لأنها لا تعرف غير العطاء.
لقد سئمت أن أذوب في كل مرة أعطي فيها. العطاء جميل، لكن لماذا يجعلني هشًّا؟ لماذا يسكنني حزنٌ عميق كلما منحت جزءًا من روحي؟ أليس من حقي أن أبقى حيًّا وأنا أعطي؟ أن أضحك بصدق، لا ضحكة مكسورة؟ أن أجد في العطاء حياةً لي لا موتًا بطيئًا؟
أيتها الزهرة، علّميني كيف تبقين واقفة أمام الرياح، كيف تمنحين عطرك حتى حين يقترب الشتاء ويهددك الذبول. علّميني أن العطاء ليس أن أموت لأجل الآخرين، بل أن أعيش معهم ومن أجلهم. علّميني أن أجد توازنًا بين أن أبسط يديّ للكل، وبين أن أحتفظ لنفسي بقليل من الدفء.
إنني إنسان، ولستُ نهرًا لا ينضب. عندي حدود وجراح وأحلام صغيرة تتكسّر أحيانًا. أريد أن أبقى إنسانًا يعرف معنى أن يفرح، أن يخطئ، أن ينهض من جديد. أريد أن يكون عطائي امتدادًا للحياة، لا إعلانًا عن موتٍ بطيء.
فهل يمكن للإنسان أن يتعلم منك أن العطاء لا
يعني الفناء؟ هل يمكن أن يظل قلبه مفتوحًا كالأرض، لكنه في الوقت نفسه يعرف كيف
يحمي جذوره من الجفاف؟ يا زهرة، يا مرآة القلب، يا معلمة الصبر والاحتمال،
أخبريني: كيف أحيا بالحب والعطاء معًا، دون أن أذوب في حزني ووحدتي؟
ك.ج
تعليقات
إرسال تعليق