مفهوم الجسد عند ديكارت
يُعتبر
الجسد موضوعة فلسفية بامتياز، حيث الحديث عن فلسفة الجسد حديث الفلاسفة دائما، منذ
فجر التفكير الفلسفي عند اليونان حتى أيامنا المعاصرة. إن ديكارت لمن أبرز الفلاسفة الذين اهتموا بفكرة
الجسد، "أبُ الفلسفة الحديثة" كما كان يطلق عليه. فما هو الجسد عند
ديكارت؟ و ما هيَ خصائصه؟
إن
الجسد عند ديكارت خاصية إنسانية تدخل في إطار نظريته الثنائية حول الإنسان، حيث إن
هذا الأخير يتكون من عقل (أو روح/ نفس) و جسد ( مادة أو موضوع).
في كتابه" تأملات في الفلسفة الأولى meditations
in the first philosophy 1641
يقدم ديكارت أطروحته حول التمايز و الاختلاف الكامل بين العقل و الجسد، حيث إنهما
منفصلين عن بعضهما، فالجسد امتداد للعقل،
لن يفنى و يتغير، لكن العقل
مستقل عنه، إنه الجوهر، فالإنسان يستطيع أن يفكر بعقله و يصل لنتائج دون الاعتماد
على الإدراك الحسي الذي شكك فيه ديكارت باستمرار.
بعبارة أخرى، إن الإنسان مركب
من العقل و الجسد، فالأول يمثل شيئا غير مادي، و الثاني شيء مادي، ماهية العقل:
التفكير، و ماهية الجسد: الامتداد.
و في هذا الصدد يقول إبراهيم
مصطفى إبراهيم[1]:
" ...وهذا التمايز بين
الجوهر العقلي والجوهر الجسماني هو ما يعرف باسم الثنائية الديكارتية. هذه
الثنائية تنفي وجود اتصال بين العالم العقلي و العالم المادي.. إن النفس روح بسيطة
مفكرة، والجسم امتداد قابل للقسمة، وليس في مفهوم النفس شيء ما يخصّ
الجسم، وليس في مفهوم الجسم شيء ما يخصّ النفس."
و نفهم من هذا أن ،حسب ديكارت،
للجسد خاصية الامتداد، التي تعني أنه يتغير و قابل لأن يتقسم، إنه لا يفكر، على
عكس الطبيعة الجوهرية للعقل أو الروح، التي تتمثل في التفكير، و حتى إن تقسمت في
جَوَانِيَتِهَا فلن يتجلى امتدادها في الجسد، مما يجعل كل واحد منهما منفصلا عن
الآخر، لكنهما متواجدان معا كمركبين للإنسان: ثنائية الروح ـ الجسد.
يقول ديكارت معبرا عن هذا: "سأعتبر نفسي أولا أن
لدي وجها
ويدين وذراعين، وكل هذه الآلة المؤلفة من عظم ولحم، كما تبدو في جثة أعطيها اسم
الجسد... سأعتبر علاوة على ذلك أنني أتغذى، وأمشي، وأحس، وأفكر وأحيل كل هذه الأعمال
إلى الروح... سأغلق الآن عيوني، وأسد أدني، وأحول كل حواسي،
وسأحمي حتى فكري من كل صور الأشياء الجسدية أو على الأقل، ولأن هذا
يمكن بالكاد أن يحصل، فإني سأعتبرها باطلة أو خاطئة."
[2]
هذا المقتطف يحيلنا بشكل مبشر
على أن ماهية الإنسان لدى ديكارت تقوم على التفكير، فالإنسان شيء يفكر انطلاقا من
جوهرين أساسيين كما أشرنا سابقا: جوهر ممتد، إنه الجسد، و جوهر غير ممتد: إنه
العقل.
و يبدو أن آلة الجسد كما وصفها ديكارت تفتقد إلى
قرارات فعلها، إنها ليست مستقلة، فالانسان يمكنه أن يفكر أن لا جسد له، إنه منفصل
عن جسده، إنه العقل الذي يفكر، التفكير الذي ان امتنع عنه فلن يصبح موجودا.
فالجسد بهذا يكون مجرد امتداد
لما يفكر فيه العقل، إن الجسد تابع للعقل، ليس مستقلا عنه، لكنه موجود بدونه،
إنهما بعبارة واحدة: ثنائية أو وحدة.
و يمكن أن نقوم برسم هذه
العلاقة بين هذين الجوهرين في الخطاطة التالية:
جوهر مفكر
|
الإنسان
ثنائية العقل و الجسد
|
جوهر ممتد
|
بالعقل(النفس أو الروح) يكون الإنسان إنسان/ هذا الجوهر
يؤثر في الأشياء و لا يتأثر بها/ ديمومي و مستمر.
|
الجسد: شيء يحتل حيز من المكان له ابعاد هندسية
(طول/عرض/ ارتفاع/ عمق) الجسد يخضع لأوامر العقل
|
¬
أولا: يوجد الجسد خارج العقل.
¬ ثانيا: يَعِ العقل الجسد.
¬
ثالثا:
الجسد امتداد منبعه العقل.
و
على هذا الأساس فإن الجسد شيء يمتد و ينقسم خارج العقل الذي يفكر فيه و يمكن له أن
يفكر دونه، هذا العقل هو الجوهر، له أوامر تقوم على التفكير. ف"أنا"
أفكر تعني أنني موجود، بل تثبته.
وهذا
ما وصفه ديكارت حينما قال أنه مقيم في جسده كما الملاح مقيم في سفينته، رغم أن
جسده و عقله وحدة منفردة يدركها العقل وحده. كما يمكن للملاح أن يدرك بنظرة عطب في
السفينة، يمكن للعقل أن يدرك جسده و كالرحالة مقيم في سفنيته ،العقل في جسده.
إن
مفهوم الجسد عند ديكارت مقترن بمفهوم العقل و بداهة التفكير، خاضع للمنهج الشكي. فإن
ماهية الإنسان في عقله لا في جسده.
[1] إبراهيم مصطفى إبراهيم: الفلسفة الحديثة من ديكارت إلى هيوم، دار
الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية، ص 86
[2] لوبروتون دافيد، أنتربولوجيا الجسد والحداثة، ترجمة محمد عرب
صاصيلا، دار النشر مجد المؤسسة الجامعة للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط2، 1997،
ص60.
كارل جبران