ينمو التفكير في عقل الإنسان ( المقالة الأولى " نحوَ فلاسفة ما قبل سقراط")



" ولد التفكير الفلسفي في اليونان القديمة على يد أفراد متميزين ومؤثرين كان يناديهم المجتمع الإغريقي بالحكماء السبعة(seven sages of greek) ،  فلاسفة ما قبل سقراط. بفضل هذا التفلسف نشأت تيارات فكرية أثرت على السائد من الأفكار بين الناس حول الانسان ثم الطبيعة فالكون."  ك.ج

اليونان القديمة 

كانت بنية المجتمع اليوناني القديم (800 إلى 500 ق.م ) مُجزئة، حيث كان الناس يعيشون في مدن تستقل بحكمها على مدن أخرى، أو ما يسمى بالدولة المدينة (city state). غير أن الثقافة الإغريقية كانت واحدةً يتشارك عناصرها جل الناس من مختلف المدن، كعلاقة المواطنين الأحرار و العبيد التي تتمثل في أن للعبد دور الاعتناء بسيده " المواطن اليوناني الحر"، و القيام بأعمال جادة مختلفة، ثم أيضا طبيعة الحياة اليومية، التي تمثلت في الاختلاف بين طبيعة الحياة لدى الرجال و النساء، فالرجل في المجتمع اليوناني القديم يتمتع بحق الانضمام للحياة العامة (public life)، عكس المرأة التي تقضي أغلب وقتها في إدارة الحياة المنزلية الخاصة (domestic life ) .
و تتميز الحياة العامة في المجتمع اليوناني القديم بانفتاحها على أنشطة متنوعة تهدف بالأساس التدريب العسكري أو أنشطة الترفيه كالذهاب للمسرح أو التدريب المسرحي، حيث كانت تُقدم مسرحيات ،في التراجيديا أو الكوميديا، تناقش مواضيع سياسية أو تعبر بشكل من الأشكال عن الآلهة و الأساطير آنذاك.
هذه الأوضاع جعلت من التفكير اليوناني القديم يتطور، يفتح لنفسه أفق التفكير في المواضيع و الظواهر بطرق مختلفة، تتميز بالنقد و الأسلوب أو حب الوصول إلى الحقائق. و مع الحكماء السبعة، كما كان المجتمع اليوناني القديم يصفهم، تطور نمط جديد من التفكير يهدف نقد الخرافة و بناء المعرفة الصحيحة. هؤلاء الحكماء كانوا إما شعراءً أو رجال سياسة و قانون أو علماء*، حيث يعود لهم الفضل في تأسيس إرهاصات ما نسميه اليوم بالفلسفة.

من الأسطورة إلى التفكير العقلاني

لعبت الأسطورة دورا مهما في التمثل اليوناني للوجود، تجلتَ في كيف كان المجتمع آنذاك يفسر الظواهر الطبيعية و مصير الإنسان بعد الموت. آمن الإغريقيون على مدى عصور بآلهة مختلفة تتشارك و الجنس البشري علاقات تعاون أو صراع، الأمر الذي عاشته حضارات أخرى سبقت أو عاصرت المجتمع اليوناني، لكن يكمن الاختلاف في انتقال هذا المجتمع الأخير من توارث هذه الأساطير و العمل بها كحقيقة ثابتة، إلى جعلها موضوع نقد و تفكير، لقد خضعت لمحاكمة عقلانية على يد الفلاسفة.
 و في هذا الصدد كتبَ  Jean-Pierre Vernant:"... فقد كانت الأسطورة فيما قبل حكاية ولم تكن حلا لإشكال. انها تروي مجموعة الأعمال المنظمة التي كان يقوم بها الملك أو الاله، تلك الأعمال التي كانت الشعائر تحاول أن تشخصها. فكأنما تعطي الأسطورة حلا لسؤال لا يوضع. ولكن عند اليونان حيث ازدهرت في المدينة أشكال جديدة للتنظيم السياسي، لم يتبق من التنظيم السابق الا بقايا فقدت كل دلالة ومعنى.. فإنه لم يعد يفهم عن طريق ما تحكيه الأسطورة كما كان فيما قبل، بل أصبح يعرض نفسه في صيغة أسئلة أصبح الجدال حولها مفتوحا. وهاته الأسئلة (نشأة النظام الكوني وتفسير الظواهر الجوية) هي التي أصبحت تشكل في صياغتها الجديدة مادة التفكير الفلسفي في بدايته."[1]

لقد تساءل الفلاسفة ما قبل سقراط حول الطبيعة (الكون)، قوانينها و سيرورتها  بحثا عن اكتشاف العناصر الأولى التي تُعد أصل كل الأشياء، التي تستمر إلى الأبد و منها يولد كل شيء أو يعود لها كل شيء:
Naturel processes
سيرورة الطبيعة
Naturel order
قانون الطبيعة
Naturel world
عالم الطبيعة


the basic elements
المبادئ الأولى/ العناصر الأولى

و لقد أفرز الاهتمام بالظواهر الطبيعية تيارين مختلفين:
¬   تيار ركز ببساطة على الطبيعة و محاولة تفسيرها، أي تفسير قوانينها و سيرورتها. يمكن أن نطلق عليهم فلاسفة أو علماء الطبيعة.
¬   تيار ركز على الامر الأخلاقي معتبرا بأنه موجود في سيرورة الطبيعة، بمعنى أن الأمر الطبيعي/الكوني يوازي الأمر الأخلاقي) cosmic order=moral order ( يمكن أن نطلق عليهم فلاسفة أو علماء اللاهوت.


[1] جان بيير فرنان، الأسطورة والفكر عند اليونان.
* pre-sientific scientists
كارل جبران

أكثر التدوينات قراءة

مفهوم الجسد عند ديكارت

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة العاشرة و الأخيرة ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ السفسطائيون)

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة الثامنة ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ أناكساغوراس)

كانط في المستقبل و نصوص أخرى

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة الثانية ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ فلاسفة الطبيعة)