حواريات مارتن و كارل: ربيع القلوب الممزقة
في فندق شالة، حيث الأشجار تنحني كأنها تستمع إلى موسيقى الليل، جلس كارل وحيدًا بين الضجيج، يشرب من كأسه رشفة صامتة، وكأنها رشفة من فكر قديم. يدخل مارتن بخطوات مترددة، يبحث بعينيه بين الطاولات. لمّا رآه، ابتسم في سره، وتقدم نحوه.
مارتن (ساخرًا وهو
يسحب الكرسي):
كارل، ما زلتَ صديقًا
للوحدة؟
يبدو أنك تفضل كأسك على صحبة البشر.
كارل (بابتسامة مائلة):
الوحدة أصدق الصحاب يا مارتن، فهي لا تطلب مني أن أضحك حين لا أريد، ولا تلوم قلبي إذا لم يعرف الفرح.
مارتن (يهز رأسه):
تتحدث كما لو أن الحب لم يطرق بابك قط. ألم يقولوا إن السعادة هي ابنة الحب؟
كارل (ضاحكًا بمرارة):
الحب يا مارتن؟ إنه
ضيف ثقيل يأتي بلا موعد، يملأ بيتك بالوعود، ثم يرحل تاركًا وراءه صحونًا مكسورة
وذكريات لا تصلح إلا للكتابة.
أما السعادة… فهي جارة صامتة، تبتسم لك من النافذة حين لا تنتبه.
مارتن (ساخرًا):
إذن أنت لا تؤمن بالحب؟ غريب! كل الفلاسفة تظاهروا أنهم يفهمونه، وكل الشعراء جعلوا منه قوت يومهم.
كارل (بهدوء أقرب إلى
الاعتراف):
أنا لا أنكر الحب، بل
أضحك منه.
الحب يَعِدُنا أن نصير
اثنين في قلب واحد، لكنه غالبًا ما يتركنا نصفين مكسورين.
أما السعادة، فهي ليست في ضم الآخر إلى صدرك، بل في أن يكون صدرك واسعًا بما يكفي ليتسع للعالم، حتى حين يفرّ الآخر.
مارتن (يضحك بقهقهة
قصيرة):
أنت تشبه الكهنة الذين
يعظون بترك الدنيا، ثم يختلسون النظر إلى جمالها!
ألا ترى عاشقًا يرقص الليلة هناك؟ ألا ترى ضحكاتهم التي تملأ المكان؟ أيّ سعادة أوضح من هذا؟
كارل (بابتسامة ساخرة،
يشير إلى الراقصين):
أجل، يرقصون اليوم…
لكن انتظر حتى يصمت ذلك الذي يلعب بقيتارته على المنصة... ويغادر النادل.
حينها سيتساءلون: هل
كنت أضحك لأنني سعيد، أم كنت أضحك لأهرب من حزني؟
يا مارتن، الناس يرقصون على موسيقى خوفهم أكثر مما يرقصون على موسيقى الفرح.
مارتن (يميل بجسده إلى
الأمام):
إذن أين تجد أنت
السعادة يا كارل؟
ألا تحنّ إلى قلب يضمك، ويد تُمسك يدك حين تذوب الطرقات في العتمة؟
كارل (متأملًا، بنبرة
جبرانية):
أحنّ يا صديقي… لكنني
تعلمت أن اليد التي أبحث عنها ليست يد امرأة ولا رجل.
إنها يد الحياة نفسها
حين تتركني أكون ما أنا عليه بلا قناع.
الحب جميل، لكنه ليس خلاصنا. السعادة ليست في أن نجد من يكملنا، بل أن ندرك أننا لسنا ناقصين.
مارتن (ساخرًا وهو
يرفع كأسه):
إذن، يا فيلسوف الليل، تريد أن تقنعني أن الحب كذبة، وأن السعادة لا تحتاج عاشقًا؟
كارل (بهدوء، وهو يرفع
كأسه أيضًا):
لا يا مارتن، الحب ليس
كذبة… إنه قصيدة قصيرة يكتبها القلب في لحظة جنون.
لكن السعادة… السعادة هي أن تعرف كيف تقرأ القصيدة، حتى بعد أن تنتهي.
يسود صمت قصير، والموسيقى تتعالى من منصة شالة، فيما يضحك مارتن بخفة وكأنما استسلم لمرارة صديقه، ثم يشربان نخبًا في حضرة الليل.
ك.ج
تعليقات
إرسال تعليق