حواريات مارتن و كارل: حياة على وضع الطيران
المكان: مقهى صغير في زقاق جانبي، الساعة الثالثة فجرًا. الكراسي معدنية باردة، والقهوة صارت مرة أكثر من اللازم.
الجو: صمت ثقيل، إلا من صوت مروحة السقف التي
تدور وكأنها تعد الأيام.
مارتن (متكئ على الطاولة): كارل… لماذا صارت الحياة كالإيميل؟ رسائل لا تنتهي، ومعظمها
"إعلانات مزعجة".
كارل (يبتسم نصف ابتسامة): لأننا سجلنا فيها بحساب لم نختره، وقبلنا "الشروط
والأحكام" من دون أن نقرأها.
مارتن:
لكننا كنّا نحلم أن نصنع فرقًا، أن نغيّر العالم… ماذا حدث؟
كارل:
حدث أن العالم يغيّرنا أسرع مما نغيّره. وأن أحلامنا تحوّلت من "إنقاذ
الكوكب" إلى "شحن الهاتف قبل أن ينطفئ".
مارتن:
وهل ترى أن هذا التيار الجارف يمكننا النجاة منه؟
كارل (ساخرًا):
طبعًا، لكن ليس بالسباحة عكسه… بل بأن نصبح كقارب تجذيف يعرف متى يساير الموج ومتى
يصفعه بالمجداف.
مارتن:
وماذا عن الشباب؟ أراهم يركضون طوال الوقت، لكنهم لا يصلون إلى أي مكان.
كارل:
لأنهم يركضون على "مشّاية كهربائية" اسمها الطموح، والشاشة أمامهم تعرض
مناظر طبيعية جميلة، لكنها وهم.
مارتن:
أحيانًا أشعر أننا فقدنا القدرة على الحب الصافي، حتى صداقاتنا صارت "قصصًا
مؤقتة" مثل خاصية الستوري.
كارل:
طبيعي… نحن نعيش في عصر يُقاس فيه عمق العلاقة بعدد الصور التي ننشرها عنها. الحب
اليوم ليس قصيدة… بل "فلتر" يجمّل الواقع حتى لا نهرب منه.
مارتن:
إذًا، كيف يمكن للإنسان أن يبقى سليم العقل في هذا الضجيج؟
كارل:
بالجنون… لكن الجنون الواعي. أن تعيش كأنك تلعب لعبة فيديو: تعرف أن النهاية
مكتوبة، لكنك تستمتع بالقفز، والسقوط، وجمع النقاط.
مارتن:
وكأنك تقول إن الحكمة هي أن نتوقف عن البحث عن الإجابة الصحيحة؟
كارل: بل
أن نعرف أن الإجابة الصحيحة تتغير كل ثلاث سنوات، مثل نسخة هاتفك.
مارتن:
وما وصيتك الأخيرة قبل أن يبرد هذا الليل؟
كارل: لا
تحاول أن تفهم الحياة أكثر مما تفهم النهر وأنت في القارب. التجذيف هو المهم… أما
الوصول، فهو إشاعة اخترعها المتقاعدون.
يصمتان، ويشربان القهوة، وكأن المروحة فوقهما
تواصل عدّ الأيام…
ك.ج
تعليقات
إرسال تعليق