حواريات مارتن و كارل: سقوط جميل

 المكان: غرفة جلوس نصف مرتّبة، نصف فوضى، لكن بكامل كرامتها البصرية.

الزمان: المساء... ذلك الوقت الذي يصبح فيه الكسل فلسفة.

المشهد الافتتاحي

كارل (متمدّد على الأريكة، يرتدي قميصًا عليه بقعة شاي بشكل خريطة العالم الثالث):

مارتن… قضيتُ ساعتين وأنا أرتّب رف الكتب حسب لون الغلاف، ثم اكتشفت أني جعلت "هيدغر" يقف بجوار رواية عن بطريق يتعلّم العزف على اليوكوليلي...هل أنا بخير؟

مارتن (من خلف الجريدة التي لا يقرأها، بل يتّخذها درعًا):

بخير؟ أنت مزدهرلقد لمست جوهر التفاهة المعاصرة، بل وربّما سبقتها بخطوتين...إن ترتيب الكتب حسب الألوان ذروة ما بعد الحداثة....هي الصرخة الصامتة التي تقول: "أنا قرأت هذا، لكنني لا أحتاج أن أفهمه."

كارل (ينهض كمن اكتشف الداروينية في درج الجوارب):

ولكنني اعتدت أن أكون مبدعًا، أن أكتب نصوصًا تُربك النقّاد وتُغضب أمي...الآن أُعيد مشاهدة مسلسل عن طبّاخ يتحدّى مافيا الخبز الحلال...هل سقطت؟

مارتن (يضع الجريدة جانبًا، كمن يُسقِط وهمًا):

سقطت؟ لا يا عزيزي... لقد استرحت...التفاهة ليست سقوطًا، بل مقعدًا جانبيًّا على طريق المعنى...وأحيانًا... المقعد الجانبي فيه وسادة.

كارل (يحدّق في سقف الغرفة كأنّه ينتظر أن يسقط منه جواب):

لكن قل لي، هل للتفاهة قيمة؟ أقصد، نحن نكتب، نُبدع، نتألم، ثم فجأة نجد أنفسنا نضحك على فيديو سمكة تلبس قبعة.

مارتن (ينهض ليُعدّ كوب نعناع كمن يُعدّ طقسًا):

يا كارل، المشكلة ليست في السمكة، بل في توقّع أن تكون الحياة كلها مؤتمراً فلسفيًّا...أحيانًا، التفاهة تنقذك من أن تنفجر من فرط التفكير...هي التنفّس الاصطناعي للعقل المرهق...وأحيانًا، مجرد لعب.

كارل (يبتسم نصف ابتسامة، كأنها صدى حكمة قادمة):

يعني التفاهة مثل شَعر الأنف؟ لا نحبّه، لكن له وظيفة.

مارتن (يضحك وهو يسكب الماء المغلي على النعناع):

برافو! وأنت الآن مبدعٌ في التفاهة...التفاهة فنّ يا كارل… لكنها، مثل الشعر الرومانسي، يجب أن تُمارس بوعي...لا تُبالغ، لا تُدمِن، لا تجعلها عقيدة.

كارل:

وكيف أعرف أنني أفرطت؟

مارتن:

حين تبدأ تعتقد أن التفاهة إنجاز… أو تُدوّن حكمًا مستوحاة من إعلان مسحوق غسيل.

كارل:

إذن التفاهة الجيدة، مثل القيلولة؟ مؤقتة، وعلاجية؟

مارتن:

تمامًا. قيلولة ذهنية....لكن إن نمت طوال النهار، فلا تندهش إن طردك الليل.

كارل (ينظر إلى كوب الشاي ويهمس):

أنا أحبّ هذه الغرفة. فيها كسل يشبه الحقيقة.

مارتن (يجلس بجانبه):

وفيها مساحة للتفاهة… وهي مساحة مقدّسة إذا استُعملت بتقوى.

مشهد الختام

نقشٌ فوق رف التلفاز..."كلما ضاق الفكر، فتّش عن فيديو قطط."

ك.ج

تعليقات

أكثر التدوينات قراءة

مفهوم الجسد عند ديكارت

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة العاشرة و الأخيرة ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ السفسطائيون)

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة الثامنة ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ أناكساغوراس)

كانط في المستقبل و نصوص أخرى

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة الثانية ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ فلاسفة الطبيعة)

ينمو التفكير في عقل الإنسان ( المقالة الأولى " نحوَ فلاسفة ما قبل سقراط")