حواريات مارتن و كارل: صوت البحر ليس أعلى من الناس
المكان: شرفة منزل في قلب طنجة، على بعد خطوات من البحر.
الوقت: الثانية بعد منتصف الليل.
الصوت: كأن المدينة كلها تتنفس من فم واحد... صاخب ومبتهج ومحتجّ في آنٍ معا..
مارتن ينظر إلى الأسفل، يضع وسادة صغيرة فوق السور محاولًا الاحتماء من الضجيج
كنتُ أعتقد أن الليل في طنجة يشبه الشعر الأندلسي…
فإذا به مهرجانٌ شعبي بلا تصريح.
كارل جالس على الأرض، يحتضن كوب ماءٍ كأنّه نبيٌ تعب من الدعوة
لا، لا… هذا ليس
مهرجانًا يا مارتن. هذا صوت الوطن
حين يشخر. طنجة لا تنام…
هي فقط تُبدّل نوع الصخب كل ساعتين.
مارتن يشير إلى الشارع بحاجبه الكسول
أنظر… تلك العائلة تحمل مشواة! نحن في
منتصف الليل، وهناك من قرر
أن العشاء في الخارج، وتحرير
غزة يبدأ من ساحة موزّعة بين الكباب وأغنية "يا ليل".
كارل بابتسامة ساخرة تنزل من عينيه لا من فمه
هذه البلاد لا تؤمن بالليل، ولا تحترم الحالمين. كل من يحاول أن يكتب، أن يصمت، أن يسمع قلبه...يُقاطعونه بزغرودة، أو بوق سيارة، أو مظاهرة تهتف لفلسطين عبر مكبر صوت يُستخدم أيضًا في بيع الطماطم.
مارتن يتنهد بعمق، يتأمل البحر بلا رغبة
أردت أن أكتب شيئًا الليلة. نصًا صادقًا، مثل ناي في غرفة مغلقة. لكن كيف أكتب؟ والناي صار من خشب الطاولة… والغرفة تحولت إلى ساحة حرب بين جيران في طابق واحد.
كارل يهمس، كأنه يُخبّئ وجعًا في سخرية
أنا؟ كنت على وشك أن أبدأ فصلاً من روايتي. بطلٌ يهرب من الضجيج بحثًا عن معنى الحياة. لكن قررت أن أبدأ من جديد: بطلٌ يحاول النوم… وتمنعه طنجة.
مارتن يضرب كفّه بخفّة على ركبته
هل تعتقد أننا نحن المشكلة؟ ربما نحن فقط جيل هش… لا يحتمل قليلًا من الحياة، بينما الجيل السابق كتب دواوينه وهو
يُقصف بالمدفع.
كارل ينظر إليه وكأنه يسمع شيئًا أعمق من السؤال
الفرق يا مارتن، أن
الجيل القديم كان يعرف من يُقاتل… أما
نحن، فنقاتل كل شيء: الضجيج، الهاتف، المكيف، الأخبار، البيت، أنفسنا. كلنا في معركة…ولا
نعرف من القائد.
مارتن يقف، ينفض الغبار عن سرواله، يضحك بهدوء
يعني خلاصة الليلة؟ لا
كتابة، لا نوم، لا فكرة، لكن…
درس مجاني في فن احتمال اللاجدوى؟
كارل ينهض ببطء، يطفئ سيجارته في كوب الماء
الدرس؟ هو أن
الحياة لا تهتم بخططنا، وأننا
إذا لم نتعلم أن نكتب وسط الضجيج… فلن
نكتب أبدًا.
ك.ج
تعليقات
إرسال تعليق