حواريات مارتن و كارل: فواصل بين النبي والضجيج
المكان: شارع ينحدر نحو الشاطئ، في مدينة طنجة.
الزمان: دقائق الغروب، حين يصبح كل شيء أكثر صدقًا أو أكثر حزنًا.
مشهد الافتتاح
مارتن (يحمل الكتاب تحت ذراعه، ينظر إلى البحر):
أتعلم، جبران كتب كأنّه كان يرى الشمس تغرب من
هذا المكان... "والشمس
لا تعرف إلا أن تكون شمسًا" قالها، أو لعله لم يقلها، لكنني أشعر بها.
كارل (يلوّح بمفاتيحه ويضحك):
أما أنا، فلا أرى من الغروب إلا علامةً على أنّ
المساء اقترب، ومعه نشرة الأخبار وقلّة الكهرباء.
مارتن:
هل يمكننا أن ننسى الواقع قليلًا؟ جبران لم
يكتب الواقع، بل كتبه الواقع بعد أن نُقّي.
كارل (بسخرية لاذعة):
جبران كتب "النبي"، ونحن نكتب
"بوست"... هو كان يحمل الحكمة، ونحن نحمل الشاحن
المتنقل.
مارتن:
كانوا يكتبون ليُصلحوا الإنسان...النهضة كانت مشروعًا: فكر، أدب، حريّة، نور.
كارل (واقفًا على حافة الرصيف):
والآن؟ الأدب اليوم
مشروع تفاعل.
"هل توافق على هذا الكلام؟ ضع قلبًا." "لا توافق؟ ضع وجها غاضبًا." كل شيء صار ردّ فعل، لا فكرًا.
مارتن (ينظر في الكتاب):
هنا يقول: "والشاعر ليس من يمشي أمام الحياة، بل من يمشي إلى جانبها…" أما شاعر اليوم، فيركض خلف الترند، يلهث ليلحق بحذاء الحياة!
كارل:
بل يكتب أبياتًا في الحب، ثم يطلب من
المتابعين: "احكوا لي عن أول حبّ لكم في الكومنتات" يا مارتن، جبران
كان نبيًّا، ونحن صرنا موظّفين في شركة المشاعر الجماهيرية.
مارتن (نبرة هادئة):
لكن ألا ترى أن فينا شيئًا من الحنين؟ نقرأ
جبران، نعيد نشره، نضعه خلف صور الغروب…
كارل (مبتسمًا):
نعم، نعلّقه على صورنا كما نعلّق المرايا في
منازلنا… لا لنرى أنفسنا، بل لنزيّن الفراغ.
مارتن:
مؤلم ما تقول.
كارل:
النهضة كانت تسأل: "كيف ننهض كأمّة؟" أما أدب اليوم، فيسأل: "كم شخصًا ضغط إعجاب؟"
مارتن (يتوقّف أمام البحر، يفتح الكتاب):
"أطفالكم ليسوا أطفالكم"... جميلة، أليست كذلك؟
كارل (ينظر إلى البحر، ثم إلى المفاتيح في يده):
هي جميلة، مثل البحر… لكن لا أحد
يقرأها حتى النهاية، كلهم ينسخون أول جملة… ويذهبون ليصنعوا بها صورة.
مارتن:
وهل تظن جبران لو عاد سيكتب بالطريقة نفسها؟
كارل (يرمي حصاة في الماء):
لا...كان سيصمت، ثم
يكتب شيئًا بسيطًا، مثل: "أيها الإنسان، توقف لحظة... قبل أن
تحكم، قبل أن تكتب، قبل أن تُحمّل نفسك في مقطع قصير."
مارتن (يبتسم):
وهل يقرأه أحد؟
كارل:
ربما…ولكن بعد أن يتحقق من عدد المتابعين أولًا.
مشهد الختام
الغروب يسقط في البحر، والكتاب يُغلق،
والمفاتيح ترنّ كضحكة معدنية بين أصوات الموج..
ك.ج
تعليقات
إرسال تعليق