حواريات مارتن و كارل: الملعقة تهزم الذكاء الاصطناعي

 كارل (ساخرًا):

 مارتن… منذ ساعة وأنت تحدّق في هذه الشاشة، كأنك تنتظر أن يخرج منها المخلّص. ماذا تفعل؟

مارتن (بنشوة):

 أتعلم فنون المستقبل!

كارل (مستغربًا):

 فنون المستقبل؟! كنت أظنها الزراعة على سطح القمر أو الرقص على موسيقى الكواكب… فما هي إذن؟

مارتن (بفخر طفولي):

 الذكاء الاصطناعي يا رجل. أعبث بأدوات كثيرة… واحدة تولّد صورًا كأن بيكاسو انبعث من قبره، وأخرى تكتب لي موسيقى كأن موزارت تعاقد مع معالج إلكتروني.

كارل (ضاحكًا):

 رائع… صار عندك مقبرة فنية رقمية! تستحضر الأشباح واحدًا واحدًا. ماذا بعد؟ ستطلب من سقراط أن يشرح لك كيف تحضّر بيتزا؟

مارتن (متحمسًا):

 ولم لا؟! كل شيء ممكن الآن. لقد صنعت أمس قصيدة فلسفية خلال ثوانٍ.

كارل:

 خلال ثوانٍ؟! الشعر يحتاج نارًا، وأنت تطهوه بالمايكروويف.

مارتن:

 المهم النتيجة! الكلمات جميلة، الإيقاع ساحر، الصور مدهشة.

كارل (ساخرًا):

 وهل جرّبت أن تفهم ما كتبت؟ أم أنك اكتفيت بالتصفيق للآلة كالأب الذي يصفّق لمولود لا يعرف لمن يشبه؟

مارتن (ينقر على لوحة المفاتيح بحماس):

 انظر! صورة كأنها من يد بيكاسو… خطوط متكسرة، وجوه متداخلة، ألوان مشتعلة.

كارل (يتأملها باستخفاف):

 آه… نعم… بيكاسو لو كان موظف خدمة عملاء يعمل بنظام المناوبات.

مارتن:

 لا تكن قاسيًا. الآلة تحاكي العباقرة!

كارل:

 تحاكي نعم، لكنها لا تعاني. بيكاسو مزّق قلبه على القماش، أما حاسوبك فيمزّق بطاقة رسومية ويطلب تحديثًا.

كارل يرفع الملعقة من على المنديل.

كارل:

 أنظر إلى هذه الملعقة يا مارتن… إنها أصدق من حاسوبك. تقلب القهوة فتغيّر طعمها فعلًا، بينما حاسوبك يقلب الصور ولا يغيّر العالم قيد أنملة.

مارتن (بابتسامة ساخرة):

 وهل الملعقة فنون المستقبل أيضًا؟

كارل:

 بل هي فنون الحاضر. من لم يعرف كيف يندهش من ملعقة، سيضيع وسط ألف زرّ وواجهة برّاقة.

مارتن:

أتعرف؟ لو طلبتُ من الآلة أن تكتب عن الملعقة، لأخرجت لي عشر صفحات بليغة في أقل من دقيقة.

كارل:

 لكنك ستبقى جائعًا في النهاية. الورق لا يحرك القهوة، ولا يذيب السكر.

مارتن (يضحك):

 عندك حق… لكن على الأقل يمكنني نشر النص على الإنترنت، والحصول على ألف إعجاب.

كارل:

 إعجابات من أشباح مثل أشباح بيكاسو وموزارت! يا رجل، أنتم جيل يطارد “كأنّ” ولا يعرف “كما هو”.

مارتن (يتوقف لحظة، ثم يتساءل):

 وماذا تريدني أن أفعل إذن؟ أن أترك الأدوات وأعود إلى الريشة والورق؟

كارل:

 لا يا صديقي. استخدمها… العب بها… لكن لا تكن عبدًا لها. اجعلها خادمةً لا سيّدة.

مارتن:

 وكيف أفعل ذلك؟

كارل (بجدية ممزوجة بسخرية):

 بسيطة. اسأل نفسك دائمًا ثلاثة أسئلة:

لماذا أستخدمها؟ إن لم يكن لديك مقصد واضح، فستغرق في العبث.

لمن أستخدمها؟ لأن الإبداع الذي لا يخاطب إنسانًا يتحول إلى ضجيج.

وماذا بقي مني أنا؟ إن لم تترك بصمتك وسط الضوضاء، فكل ما فعلته هو ضغط أزرار.

مارتن (يفكر ثم يضحك):

 يعني تريدني أن أكتب على كل عمل “صُنع بالآلة وصيغ بالقلب”؟

كارل:

 بالضبط. شهادة ميلاد أي عمل. وإلا فستظل مثل مقاطع الفيديو التي تبدأ بعناوين براقة: “شاهد كأنها لوحة مونيه”… وفي النهاية، لا هي مونيه ولا أنت.

صمت قصير. كارل يرفع فنجانه، ينظر إلى الملعقة على المنديل.

كارل (ساخرًا):

 صدّقني يا مارتن… أحيانًا ضربة ملعقة على فنجان تعطينا موسيقى أصدق من ألف ألبوم اصطناعي.

مارتن (ينظر للشاشة ثم للملعقة):

 ربما… لكنني على الأقل أستمتع باللعب.

كارل:

 اللعب فن عظيم، بشرط ألا تنسى أن اللعبة الحقيقية هي أن تعيش… لا أن تنتظر تحديث النسخة القادمة.

الإضاءة تخفت. صوت الملعقة يرن على الفنجان كجرس صغير. المشهد ينتهي...

ك.ج

تعليقات

أكثر التدوينات قراءة

مفهوم الجسد عند ديكارت

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة العاشرة و الأخيرة ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ السفسطائيون)

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة الثامنة ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ أناكساغوراس)

كانط في المستقبل و نصوص أخرى

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة الثانية ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ فلاسفة الطبيعة)

ينمو التفكير في عقل الإنسان ( المقالة الأولى " نحوَ فلاسفة ما قبل سقراط")