حواريات مارتن و كارل: أزمة طفل في ثوب رجل
حديقة في مساء غامض. كارل ومارتن يتمشيان، تتعانق أصوات الريح مع وقع خطواتهما. يجلسان على مقعد خشبي قديم.
مارتن (بصوت متردد):
كارل، ما أثقل القلب حين يعطي، ثم ينتظر في صمت كمن يمد يده ولا يلقى غير الفراغ.
كارل (ضاحكًا، يلوّح بيده):
الفراغ يا صديقي أكثر وفاءً من بعض القلوب. فهو على الأقل، لا يعدك بشيء!
مارتن (بعينين غارقتين):
أتهزأ بي؟ أنا أتحدث عن الجرح، وأنت تقدم لي نكتة.
كارل (ساخرًا بجدية):
النكتة يا مارتن ليست إلا الحقيقة حين ترتدي قميصا قصيرا كي لا تبدو وقورة أكثر من اللازم.
مارتن:
لكن قل لي... لماذا نشعر بالنقص حين لا يرد علينا الآخر بسرعة؟ لماذا يتحول غياب رسالة صغيرة إلى امتحان قاسٍ للكرامة؟
كارل (يميل نحوه بهدوء):
لأننا لم نتعلم بعد كيف نصادق الوحدة. حين نصادقها، لا نحتاج إلى رسائل كي نثبت أننا موجودون.
مارتن (متذمرًا):
إذن تريدني أن أعيش كراهب، أن أتعلم أن أكون حجرا؟
كارل:
الحجر أكثر حكمة منا. فهو لا يسأل النهر لماذا مرّ ولم يقف، ولا يخاصم الريح إن تجاهلته.
مارتن (بصوت ينكسر بين الجد والهزل):
وما نفع القلب إذن إن صار حجراً؟
كارل (ساخرًا برهافة):
القلب ليس ليُطالب بالردّ، بل ليضيء الطريق حين ينام الآخرون. من يعطي وينتظر المقابل يشبه تاجراً لا عاشقاً.
مارتن:
أنت قاسٍ كعادتك، تجعل ضعفي مادة للسخرية.
كارل (بابتسامة حزينة):
بل أجعل ضعفك سلماً نحو ضوء آخر. الضعف يا مارتن ليس عيباً، بل هو معلم متعثر. فقط لا تجعله يسوقك كما يسوق الحمارُ العربة.
مارتن (بصوت خافت):
وإذا غابوا طويلاً؟
كارل (ينظر إلى السماء):
فالغياب يا صديقي أستاذ الحضور. من يغيب عنك، يعلّمك كيف تحضر إلى نفسك.
مارتن (يتأمل):
كأنك تقول: نحن لا نخسر الآخر حين يتأخر... نحن نخسر وهمنا عنه؟
كارل (مبتسمًا):
أحسنت. نخسر الوهم، ونكسب الحرية. وما الحرية إلا أن تحب دون أن تحصي عدد الردود.
مارتن (ينهض، كأن شيئًا تبدد في داخله):
إذن، عليّ أن أتعلم أن أحب كما تضحك الريح: بلا انتظار للتصفيق.
كارل (يصفق ساخرًا):
ها قد فهمت، والآن يمكنك أن تنتظرني أنا أيضًا حين أتأخر في الرد!
(ينفجران ضاحكين، تمتزج الضحكة بالريح، ثم يسود صمت شفاف، صمت الحكمة بعد السخرية.)
ك.ج
تعليقات
إرسال تعليق