حواريات مارتن و كارل: طغيان اللحظة
المكان: مقهى صغير على زاوية شارع، طاولة عليها فنجانان لم يُشربا بعد.
الزمان: بين لحظةٍ لم تبدأ، ولحظةٍ لن تنتهي.
مارتن (يحدق في الفنجان):
كارل، لماذا لا تصبر؟ لماذا أنت عديم التريّث؟ في كل شيء لا تستطيع أن تنتظر… كأنك تفقد الأمل إن لم تُفتح لك الأبواب في لحظتها.
كارل (بحدة هادئة):
لأن الأبواب حين تُغلق دقيقة، أشعر أن خلفها مدينة كاملة تحترق. الانتظار، يا صديقي، موتٌ بالتقسيط.
مارتن (ساخرًا):
الموت نفسه ينتظر! ألا ترى كيف يصبر على البشر واحدًا واحدًا، حتى يأتي دوره؟
كارل (يضحك بمرارة):
لو كان في الحب منطق… لَما قيل لمن يحب: انتظر.
ولو كان في الوفاء حكمة… لما تُركت الرسائل دون
ردّ.
أنا، يا مارتن، أردّ حتى على الرسائل الغريبة… لأنني أرى في التأخير إهانة للحياة ذاتها.
مارتن (يهز رأسه):
ولكنك تحرق نفسك بهذا اللهب، ثم تشكو الرماد.
كارل (بصوت متصاعد، كأنه يخطب):
أنا لا أحرق نفسي… أنا أُضيء الظلمة التي
يصنعها الانتظار.
أتعرف، يا مارتن؟ مشكلتي ليست مشكلتي وحدي…
إنها مشكلة عالم كامل يختبئ خلف كلمة "غدًا".
العشاق يقتلون قلوبهم بتأجيل لقاء، والكتّاب يدفنون كتبهم في درج الغد، والسياسيون يسرقون حاضرنا باسم مستقبل لم يأتِ.
مارتن (يبتسم بمرارة ساخرة):
إذن فأنت تريد عالَمًا بلا انتظار؟
كارل:
نعم! عالَمًا تُكتب فيه الرسالة ويُرد عليها فورًا، يُعانق فيه العاشق محبوبته في اللحظة، ولا يسأل فيها القلب: "متى؟".
مارتن (بهدوء: يرفع الفنجان ويشرب):
يا كارل… حتى هذه القهوة تحتاج أن تبرد قليلًا
كي تُشرب.
لو شربتها في لحظتها، لأحرقت لسانك.
كارل (يتأمل الفنجان، يبتسم ابتسامة شاحبة):
إذن… نحن محكومون أن ننتظر حتى القهوة.
(كارل يرفع الفنجان لشفتيه، ينظر إليه
طويلًا، ثم يتركه على الطاولة كما هو… فيرتفع منه بخار يتلاشى ببطء. يظل ينظر إلى
الدخان المتصاعد كمن يراقب عمرًا يتبخر. ثم يبتسم بحزن.)
ك.ج
تعليقات
إرسال تعليق