حين تصير الخرائط أجنحة
فأسمعُ حجَرًا
يتعلَّمُ اسمَ الماء،
وأرى نبضي
يسبقُ شمسَ عينيَّ
بساعةِ حنينٍ
أو أكثر.
صرتُ أُحبُّ ما
يبتعدُ كي أراه،
وأشتاقُ
لأيّامٍ ظننتُها لن تنتهي
فانتهتْ لتبدأ
فيَّ.
صرتُ أقرأُ
جرائدَ الشرقِ لأطمئنَّ،
وأتعلَّم من
طبولِ الفيتنام
أنَّ البعيدَ
يستطيعُ أن يوقظَ قلبًا
لا يعرفُ سببَ
ارتعاشِه.
صرتُ أفكّرُ في
المغرب
كأنَّه جزيرةٌ
أُزيحَتْ قليلًا
لتسكنَ جهةَ
هوىً لا جهةَ خرائط،
وأقولُ: ليست
الأوطانُ مكانًا،
إنما الأوطانُ
ما يعرُجُ فينا حينَ نغفو.
هيه يا حياةُ،
يا معلِّمةَ
الصبرِ على نارٍ تمشي،
يا خيطَ نورٍ
يُحيكُ بردَ الروح،
لماذا تأخذينَ
منّا الخطوةَ الأولى
ثم تترُكينَ
لنا بقيةَ الطريق؟
هيه يا حكيمُ،
علِّمني كيف
يُمسكُ القلبُ بالعالم
ولا ينكسر.
فقال:
خذْ من الحجرِ
ثِقَلَهُ كيلا تذروكَ رياحُ الخبر،
وخُذْ من
الماءِ دأبَهُ، فليسَ للوادي أن ينجو
إلا إذا صَبَرَ
على صخرِهِ.
وخُذْ من
النارِ نورًا لا حريقًا،
فإنّ النارَ
إذا جاعتْ أكلتْ صاحبَها،
وإذا شبعتْ
أضاءَتْ طريقَ مَنْ أحبّ.
وخُذْ من
الهواءِ خِفَّتَه،
فما طارَ إلا
لأنّه لم يُثقلْ نفسَهُ بما مضى.
يا حياةُ،
لسنا نطلبُ
منكِ طولَ الأيام،
بل أن تعودي
بنا كلَّ صباحٍ
إلى بستانٍ
واحدٍ من الدهشة.
يا حكيمُ،
قلبي يتروَّضُ
الآن:
يتعلّمُ أن
يجاورَ صمتَهُ بلا فزع،
وأن يفتحَ
نافذةً في جدارِه
كي لا يغدو
حصنًا لليلٍ طويل.
صِرتُ أعرفُ:
أنّ الذي
يبتعدُ عنّا
إنما يقتربُ
بنوعٍ آخر،
وأنّ الفجرَ
يُدرَّبُ نفسَهُ في القلب
قبل أن يتراءى
على التلال.
إنْ خسرتَ
أوّلَ الطريقِ،
فلا تقلْ إنّ
الطريقَ خسرتْكَ؛
قُلْ: سأبتكرُ
خطوةً أولى جديدة،
فالخطوةُ
الأولى لا تُقتَل،
إنّما
تُورِثُنا أبناءَها:
خطوةً للرجاء،
وأخرى للصفح،
وثالثةً تعودُ
بنا إلى البداية
كأنّ البدايةَ
لم تكنْ،
وكأنّها كانت
كلَّ ما يكون.
سلامٌ على مَنْ
يجعلُ من الحجرِ قلبًا،
ومن القلبِ
شرقًا يهدأُ فيه الخبر،
ومن الشرقِ
طريقًا
تمشي على
جمرِها
فتورِقُ تحتَ
قدمَيْكَ.
وإذا سألْتِني الحياةُ: هل شبعتَ؟
قلتُ:
ما شبعتُ،
غير أنّني
تعلّمتُ
أنّ الجوعَ إلى
النورِ هو الزاد،
وأنّ مَنْ
انتظرَ الشمسَ في عينيه
رآها،
ولو سبَقهُ
إليها قلبُهُ
بساعةِ حنينٍ
أو أكثر.
ك.ج
تعليقات
إرسال تعليق