بيوت القلب أوسع من بيوت الحجر
يدهشني، ولا أزال أدهش، من أولئك الذين عرفتهم صغيراً وكبيراً، أصدقاءً وأقاربَ ومعارفَ، كيف يغادرون كل صباح إلى المجهول، لا طلباً للحلم أو الشغف، بل سعياً إلى حياة يظنونها أكثر استقراراً، فيما أرواحهم تزداد قلقاً كلما ازدادت أرصدتهم.
يدهشني كيف يقدّسون المال كأنه مفتاح الفردوس،
وكيف يضعونه في ميزان الحياة كأثقل ما فيها وزناً. أسمعهم يتهامسون: "ادخر…
اشترِ بيتاً… اقتنِ سيارة… أَمّن مستقبلك."
أتذكّر صديقاً قال لي يوماً: "لا يمكنك أن
تتزوج إلا إذا كان في جيبك عشرة ملايين."
ابتسمت في سري… كأنه كان يحدّثني عن ثمن الحب،
أو عن فاتورة السعادة.
أما أنا، فقد تبعت حدسي كما يتبع النهر
انحداره، لا أسأل إلى أين، ولا أطلب من أحد أن يرسم لي الطريق. صنعت لي حياة
تكفيني، بلا إسراف ولا استعباد، حياة أستطيع فيها أن أمدّ يدي لمساعدة أخي وعائلتي
متى استطعت، دون أن أقيّد نفسي بسلاسل الالتزامات التي يزينونها باسم
"الواجب" و"الأمان".
وتعلّمت، أحياناً بمرارة، أن لا أضع ثقتي
العمياء حتى في أقرب الناس إليّ. وأن أستمع إلى همس ذاتي، لا إلى صخب الجماعة.
وحين يفعل المرء ذلك، يراه البعض بعين العجب، والبعض الآخر بعين الغضب، لأنك اخترت
ما لم يختاروه، و أقسمت أن
تحيا ما تمنّوا ولم يتجرأوا أن يحيوه.
أكتب هذا، ولا أدري لماذا. ربما لأني أشعر أن
كلماتي تهاجر قبلي، تبحث عن أوطان بعيدة: إسبانيا، سويسرا، أمريكا، أيرلندا… أما
أنا، فأكتفي أن أعلم أن صدقي يجد له بيتاً في قلوب غريبة، هناك حيث لا يعرفني أحد،
وحيث لا يحتاج المرء إلى عشرة ملايين ليُحب أو ليُحَب.
ك.ج
تعليقات
إرسال تعليق