حواريات مارتن و كارل: لم أخسرها... فقط لم أربحني معها

قطارٍ ليلي بين طنجة والرباط.

مارتن (ينظر من النافذة نحو العتمة المتحركة):

غريب كيف أن كل شيء يتحرك ونحن ثابتون… أشعر أن هذا القطار يُسافر نيابة عني، كأنني أرسل جسدي في رحلة… وأبقى أنا في محطة قديمة.

كارل (يرتب معطفه، ثم يضحك بخفة حزينة):

أنا لا أركب القطار لأصل، بل لأفقد الاتجاه. هناك شعور جميل في أن تُنقل ولا تختار.

مارتن (ينظر إليه بنصف ابتسامة):

أتعرف ما الأغرب؟ أنت لم تعد تسخر من الحب كما كنت. ما الذي حصل؟ هل نسيت أن الحب كان أسوأ مشروعك على الإطلاق؟

كارل (ينظر إليه طويلاً… ثم يقول كأنه يقصّ على نفسه لا عليه):

لم أنسَ… لكنني لم أعد أكرهه. كان فاشلاً، نعم. لكنه أنقذني من أشياء كثيرة… كان مثل امتحان صعب، لم أنجح فيه، لكنني فهمت الحياة بعده.

مارتن (يعدل جلسته، ويقترب أكثر):

ألم تكن تلك التي سكنت الرباط؟كانت تقضي طفولتها في حدائق فاس؟

كارل (يضحك ثم يشيح بنظره إلى النافذة):

لم أعد أدري...لقد نَسَخَتْني على أكثر من مدينة، كل مرة كنتُ أظن أنني أبدأ في اكتشاف الحب.. أكتشف أنني فقط أُعاد...

مارتن (بنبرة مشاغبة):

وهي الآن؟ أين صارت حبيبة كارل؟

كارل (بصوت لا يحاول أن يبدو حزينًا... لكن يفشل):

في آسيا… تزوجت. تُدرّس اللغة للأطفال، تنشر صورها في كل مكان لا توجد فيه رائحة فاس... وأنا؟ أكتب بالحبر الأسود، وأفكر: يا لها من حيرة… قطعت قلبي ثم ذهبت تبحث عن السلام في قارة أخرى...

مارتن (يضحك حتى يسعل):

أنت الوحيد الذي يُصاب بالاكتئاب من فتاة تؤمن بأن الحب ليس أهم من أسلوب الحياة...

 كارل (ينظر في الفراغ ثم يقول بصوت منخفض، بلا تزييف):

لكنني أحببتها… بطريقة لا يصلح معها حتى الشعر. كنت أخاف أن تتركني، فتركت نفسي كي لا أفقدها. والمشكلة أنني فقدت الاثنين.

مارتن (يميل برأسه، ويتنفس بعمق):

وأنت الآن؟ هل تكرهها؟ هل نسيتها؟

كارل (ينظر إلى يده كأنه يمسك شيئًا غير مرئي):

لا أكرهها… أنا فقط أشتاق لمن كنتُه وأنا أُحبها. ذلك الشاب الأحمق الذي كان يعتقد أن قبلة واحدة تكفي لإصلاح العالم. ذلك الذي كان يكتب رسائل لا يرسلها… لأنه كان يؤمن أن الحب وحده يعرف طريقه.

مارتن (ينظر إليه طويلاً ثم يقول ببطء):

وأنت؟ ماذا تعلّمت؟

كارل (ينظر إليه للمرة الأولى طوال الحديث، ثم يهمس):

أن الحب لا يشبه القصائد، بل يشبه المطبخ… من لم يكن مستعدًا أن يتّسخ، لن يطبخ شيئًا. ومن لم يغسل يديه من خيباته القديمة، سيضيف طعم المرارة في كل شيء جديد.

مارتن (بابتسامة ساخرة):

إذًا، الحب هو طبق غير متوازن؟ يتطلّب أكثر من ملح ودموع؟

كارل (يضحك أخيرًا، ثم يهمس):

الحب هو أن تفشل بصدق، ثم تنجو... وتكتب عن ذلك...متى سنصل إلى الرباط؟

ك.ج