حواريات مارتن و كارل:مشروع عظيم... بعد القيلولة

المكان: طنجة. شرفة شقة في الطابق الثالث. البحر أمامهما، لكنه لا يتدخل.

الوقت: الخامسة مساءً. المغرب يتثاءب. الفكرة العظيمة التي كانت ستغيّر العالم تذوب في كأس شاي ثالث بلا سكر.

مارتن (مُتكوّم على كرسي بلاستيك مائل، يتأمل البحر كما لو كان ينوي ضربه):

كتبتُ اليوم مقدّمة مشروع رقمي سيحدث ثورة في التعليم... ثم شعرت بالجوع، فطبخت عدساً… ثم نمت. استيقظت، نسيت المشروع وتذكّرت العدس.

كارل (يلفّ غطاء خفيف على كتفيه، ويهز رأسه بأسى يليق بقدّيس خائب):

أنا قررتُ أن أبدأ بودكاست فلسفي بعنوان "كلمات غير مريحة" سجّلت المقدمة سبع مرات، ثم علقت في اختيار الموسيقى. هل أختار تشيلو أم بيانو؟ ثم فكرت: “من سيستمع أصلاً؟ فأطفأت كل شيء، وفتحت إنستغرام أراقب الناس الذين لم يسألوا أنفسهم شيئاً أبداً، ورغم ذلك… ينامون جيداً.

مارتن (يضحك بمرارة):

كلنا نحمل بداخلنا "مشروعاً عظيماً" لكننا نحتفظ به مثل حذاء أنيق، نلبسه فقط في خيالنا. في الواقع، نمشي حفاة على سجّادة الأعذار.

كارل (يميل برأسه نحو البحر، وكأنه يحدثه سرًّا):

أتعرف؟ أنا لا أملّ من الملل نفسه، بل أملّ من محاولاتي الفاشلة لتجاوزه. أفتح “نوشن” كي أبدأ تخطيط فكرة جديدة، ثم أنتهي بتنسيق العناوين. أقضي ساعتين أختار بين خطّ “Inter” و”Poppins”… وفي النهاية، لا أكتب شيئاً.

مارتن (ينهض، يتحرّك كمن يريد الهرب من جلده):

نحن جيل الواجهة! واجهة مشروع رقمي، واجهة عقل مبدع، واجهة اهتمام بالذوق العام، واجهة قابلة للنشر في “لينكد إن لكن خلف هذه الواجهات... توجد خزانة مليئة بجوارب مثقوبة وأفكار نصف مشنوقة.

كارل (ساخراً، لكنه صادق):

أنا بدأت 18 مشروعاً في العام الماضي. نصفهم توقّف عند اختيار اللوجو. والنصف الآخر... ماتوا خجلاً من سؤال واحد:

"من تظن نفسك؟ هل تعتقد أن الناس بحاجة لك؟"

مارتن (يعود للجلوس، يُخرج هاتفه، يتأمل إشعاراً، ثم يقول ببرود):

تلقيت للتو إشعاراً من تطبيق التأمل يقول:"خذ نفساً عميقاً، أنت موجود." شكراً أيها التطبيق... لكنني لا أريد أن أكون “موجوداً” فقط، أريد أن أشعر أن وجودي… له نكهة. حتى لو كانت مثل العدس.

كارل (ينظر إليه، ثم يضحك طويلاً):

أتعرف ما أريده؟ أريد أن أبدأ شيئاً وأن لا أتركه في منتصف الطريق كجثة حلم. أريد أن أبدأ، وأكمل. ولو لم يُصفّق لي أحد. ولو سخر مني الجميع. ولو اكتشفت لاحقاً أنه لم يغيّر العالم... يكفيني أنه غيّرني.

مارتن (ينظر إليه بجدية نادرة، ثم يهمس):

أنا أيضاً سئمت من أن أكون شخصاً يبدأ فقط. أريد أن أكون شخصاً يكمل. حتى لو كلّفني ذلك أن أحرق كل الأعذار، وأخيب أمل ذلك الصوت الداخلي الذي يريدني فاشلاً كي يبقى مرتاحاً.

كارل (ينهض، ينظر إلى البحر كأنما يقول له شيئاً أخيراً):

فلنعد غداً إلى المشروع. لكن لا نعد كمن ينتظر الكمال بل كمن يخطو رغم الارتباك. كمن يطبخ العدس ويكتب عظَمةً في فترات الانتظار. كمن لا يريد أن يفوز… بل أن يتحوّل.

مارتن (يبتسم، ثم يقول وهو يشير إلى البحر):

تعرف؟ البحر لم ينتهِ يوماً، ومع ذلك، لم يتوقف عن المجيء. ربما نحن مثله، فقط… علينا أن نبدأ في كل مرة، ولو كنّا نصف ميتين.

ك.ج

تعليقات

أكثر التدوينات قراءة

مفهوم الجسد عند ديكارت

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة العاشرة و الأخيرة ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ السفسطائيون)

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة الثامنة ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ أناكساغوراس)

كانط في المستقبل و نصوص أخرى

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة الثانية ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ فلاسفة الطبيعة)

ينمو التفكير في عقل الإنسان ( المقالة الأولى " نحوَ فلاسفة ما قبل سقراط")