كصمت يمشي...
أنا أتمشى في
شوارع العروس كما يتمشى الغريب في مدينة لم يختر أن يكون فيها... اشتريت القليل من
الفواكه و بعض... لا يهم... طعم معتاد، لكن بداخلي
شيء لم يكن معتادًا تلك الليلة. الشمس تموت خلف التلال البعيدة، والمدينة تتنفس
بصوت خافت... وأنا أمشي، لا أعرف إن كنت أعود إلى بيتي أم أبتعد عن نفسي.... لا أحد ينتظرني في البيت...لكنني أتمشى
بسرعة، كأنني أريد أن أكون هنالك، فذلك دائما أفضل...
في لحظة سيري،
لاحظت طفلة، يدها ترفع علم فلسطين كأنها ترفع سمكة خيالية في بحر رمزي... أمها بخمار من لون الغياب، وأبوها يلبس "فوقية" بيضاء تلمع تحت
الأضواء الصفراء كأنها قطعة من النية الصافية...أعيننا التقت... الطفلة لم تبتسم،
ولا أنا...كان الصمت بيننا أطول من أي خطاب...لا هي تفهم حقا ماذا يعني ذلك العلم، ولا
أنا أدري كيف لطفلة أن ترفع حملًا أثقل من جسدها.
هل لأنها مسلمة؟
هل نحن نولد ومعنا القضايا؟ هل الطفولة، كما الحب، تُستعمل وقودًا في معارك
الكبار؟ لماذا لم أُحرك ساكنًا؟ هل لأنني خائف؟ أم لأنني فقط... لا أنتمي؟
أبوها لاحظني،
نظر إليّ نظرة لا أستطيع تفسيرها. شفقة؟ سؤال؟ أم مجرد فراغ آخر يشبه
فراغي؟ أزلت بصري كمن يطفئ مرآة... ومشيت.
دخلت المنزل،
وضعت الفواكه على الطاولة... صوت الصلاة الجماعية يتسرب من النافذة
المفتوحة، آتٍ من ساحة الأمم...أصوات تندد، تصرخ، تبكي، تصلي... لا أدري، كل شيء
أصبح ضوضاء.
هم يناضلون من
أجل معنى، وأنا لا أشعر بشيء...لا تعاطف، لا غضب، لا انتماء... فقط هذا اللاشيء
الذي ينبت داخلي كصبار لا يحتاج ماء... أفكر في الطفلة، في العلم، في الرجل، في
المدينة التي تمتلئ كل مساء بشعارات خالية من الفعل، أو ربما فعل خالٍ من معنى.
أجلس في أريكتي، أتناول الفواكه في صمت، أرتشف ما أرتشف...أسمع نشرة الأخبار عبر الراديو دون أن أصدق أو أكذب...
خارجًا، الناس تتظاهر من أجل فلسطين، وأنا أكتفي بأن أكون شخصًا... يراقب ولا يشعر...لم أجد شيئًا سوى الصمت... وأكملت ليلي،
بلا أي انتماء.
ك.ج
تعليقات
إرسال تعليق