أن تُرى
![]() |
لوحة تجريدية، المنزل، كارل جبران |
لكنك رغم ذلك شاركت وراقبت...ولم يحدث شيء.
لا إعجاب، لا تعليق، لا تفاعل كما توقعت، ربما
لا شيء سوى ذلك الشعور المألوف، ذاك الترقب الذي يتحوّل إلى فراغ. ثم محوت
المنشور، وعدت إلى الأريكة. لكن شيئًا ما بقي معك، فكرة بدأت تنمو: لماذا نشعر
بهذه الحاجة العميقة لإثارة الاهتمام؟ ما الذي يدفعنا للمشاركة رغم كل هذا التردد،
رغم هذا الإحساس بأن أجمل الأسرار ربما تستحق أن تبقى لنا وحدنا؟
أهي الرغبة في الانتماء؟ في القبول؟ في الظهور؟
في أن نقول: "أنا هنا، أنجزت شيئًا، هل من مُنصت؟"
في الواقع، المشاركة فعل إنساني أصيل. منذ
القدم، كان البشر يشاركون حكاياتهم، أهازيجهم، رسوماتهم على جدران الكهوف. الإنسان
كائن يبحث عن الصدى، ليس فقط لكي يُرى، بل لكي يُفهم. المنصات الرقمية ليست سوى
مرآة حديثة لهذا السلوك القديم، لكنها مرآة مخادعة: فهي تعطيك الانطباع بأنك مرئي
دومًا، مسموع دائمًا، لكنك في الحقيقة قد تصرخ في الفراغ.
في نظري و أنت تفكر في المشاركة، لا تتساءل كثيرًا عن ردود الفعل. لأنك هناك لا تطلب
القبول الشخصي، بل تقدم فكرتك للمعنى، للحوار، للتراكم المعرفي. أما على
الفايسبوك، فالمشاركة ليست خالصة للفكرة، بل تمسّ ذاتك مباشرة، وبالتالي فإن غياب
الاهتمام يُشعرك وكأن ذاتك لم تُرَ. وهذا ما يوجع.
لكن هل هذا هو الطريق الصحيح للمشاركة بين
الأفراد؟ هل نربط بين الاهتمام والقبول؟ وهل نحتاج دائمًا إلى هذا التفاعل الفوري
لنشعر بالانتماء؟ ألسنا في حاجة لإعادة تعريف معنى "الاهتمام"
و"الظهور"؟
ربما علينا أن نميّز بين رغبة الإبداع ورغبة
الاعتراف. الأولى داخلية، حرة، تغذيها الحاجة للتعبير، للتشكيل، للخلق. أما
الثانية فهي متعلقة بالآخر، كيف يُقيّمني، كيف يراني، كم مرة ضغط على زر الإعجاب.
الإبداع لا ينتظر تصفيقًا. لكنه في عصر المنصات قد يُختلط بالعرض، بالمنافسة،
بالاحتياج للانتباه المستمر.
عل أي، لعل الطريق الصحيح للمشاركة ليس في
تفاديها، بل في وعيها: أن تعرف لماذا تشارك، ولمن، وما الذي تنتظره من مشاركتك. أن
تظل إبداعاتك نابعة من تلك البذرة الصافية داخلك، لا من فراغ خارجي يحتاج
إلى ملء مؤقت. وإذا جاء الاهتمام، فليكن امتدادًا للجمال الذي خلقته، لا شرطًا
لوجوده.
ك.ج
تعليقات
إرسال تعليق