رسالة إلى أمي...
أمي…
هل تذكرين عندما كنتُ صغيرًا، وكنتِ تهمسين في أذني دعواتكِ قبل النوم؟
كنتُ أراكِ أقرب إلى النور من أي بشر، وكنتِ إذا نظرتِ إليّ، كأنكِ تقولين لي: "حبيبي… سيكون لك بيت، وامرأة، وأطفالٌ ينادونك بابا".
لم أكن أفهم آنذاك ما معنى "بابا" إلا من صوتك… الآن صرت أفهم، لكنني أسأل: لمَ كل هذا يا أمي؟
لماذا تريدينني متزوجًا، حتى ولو من فتاة لا تشبه الأرض التي وُلدتُ فيها؟
أتعرفين، أحيانًا أحسّ أنكِ لا تطلبين الزواج، بل تطلبين صورة ما… صورة زرعوها في قلبك منذ كنتِ أنتِ طفلة.
قالوا لكِ: "الابن رجل حين يتزوج، ويكتمل حين يُصبح أبًا"، فحملتِ العبارة كأنها وعد مقدّس، تنتظرين أن أحققه.
لكن يا أمي،
ماذا لو لم تكن كل الحكايات التي نرويها لأنفسنا، هي حكايات حقيقية؟
ماذا لو كنا نُزيّن قصصًا لم نعِشها؟
ماذا لو كان الزواج ، كما الحب، لا يأتي حين نطلبه، بل حين نكفّ عن انتظاره؟
أمي،
أنا لا أُخاصم الزواج، ولا أكره البنات، ولا أفرّ من البيت كما يفرّ طير من قفص…
بل أنا فقط، لا أريد أن أعيش حياة ليست لي، ولا أريد أن أضحك في الصور وأبكي في صمتي.
صدقيني،
أحلم أحيانًا بطفل يشبهني، بعيون تتوهج من الدهشة، بصوت يقول لي: "بابا".
لكن الحلم لا يكفي لبناء بيت، ولا الحب وحده يُقيم علاقة.
ثم من قال إن الاستمرارية لا تكون إلا بالذرية؟
أليس الفكر أيضًا امتداد؟
أليست الكلمة التي أكتبها، تنمو وتكبر، وتورق في قلب أحدهم كما ينمو الجنين في رحم أمه؟
أليس من حقي، أنا الذي ولدتُ متسائلًا، أن أرفض الجواب الجاهز؟
أليس من حقي أن أحب، بطريقتي، أن أتزوج، لو أردت، في موعد لا يُقرره المجتمع بل تُقرره السماء داخلي؟
أمي،
اغفري لي لأنني لم أحقق لكِ الحلم،
واعلمي أنكِ لم تفشلي في تربيتي…
بل ربما، لأنكِ علمتني أن لا أكذب، وأن أكون نفسي، جئتُ اليوم أقول لكِ هذا الكلام…
أنا لست عقوقًا… أنا فقط صادق،
وأعلم، كما تعلمين، أن الحب الذي لا يكذب… لا يموت.
ك.ج
تعليقات
إرسال تعليق