حواريات مارتن و كارل: من حلمي أبدأ

مونودراما بفصلين ونصف

بطولة: كارل، مارتن، وكوب قهوة لا رأي له.

المكان

مقهى في قلب طنجة، تُديره ذاكرة قديمة، تملأه كراسٍ عرجاء وصمتٌ يُقطّع بالملعقة.

الزمن

منتصف الأسبوع، بين نشرة أخبار قاتمة وبلاغ وزاري يُعلن انتصار التكرار.

الشخصيات

كارل – المهندس البيداغوجي الذي يرى في الطفل احتمال معجزة مؤجلة.

مارتن – واقعي كحجر، ساخر كمذيع نشرة اقتصادية، خبير في "توقع الفشل منذ 1994".

مارتن:

 يدخل كمن اقتحم نقاشًا وجوديًا بنعلٍ مبتل.

 هاه! ها أنا أعود لأجدك تحاور المنديل، ترسم دوائر في الهواء، وتخط على السكر رؤى تربوية. هل بدأت رسميًا مشروعك لتربية الأشباح؟

كارل:

يبتسم بلطف

بل مشروع لتربية الحُلم، يا مارتن. مشروع يبدأ من أول حرف يُكتَب لا ليُحفظ… بل ليُصدَّق.

مارتن:

يسحب كرسياً بنَفَس ساخط

يا صديقي، الطفل في بلداننا لا يُمنح "مشروعًا"، بل يُمنح "كراسًا كبيرًا" وعقوبة صغيرة...وأنت تتحدث عن مشروع...ذكريني بإسمه؟ آه...من حلمي أبدأ..صندوق مالي لمشاريع تعلم الأطفال؟ طريقة ما بعد التربية الحديثة في تلقين المعارف؟ كل هذه التفاصيل في منديلك الخيالي..حسنا كيف تقترح أن ندفع و نمول المشروع؟ بالنية؟

كارل:

يتأمل كأس الماء وكأنه ينتظر منها أن تتبخر لتصير سحابًا يمطر تمويلًا

بل سندفع له بالحُبّ المؤجَّل. صندوق لا يُفتح إلا حين ينضج حلمه… أو حين تتوقف المدرسة عن معاملته كآلة حساب بلا بطاريات.

مارتن:

يضحك ضحكة من اكتشف للتو سطرًا نُسخ من أفلاطون

يعني طفل يزرع بذرة في السنة الأولى ابتدائي، ثم نُسميها "مشروعًا".... تمر السنوات... و في كل عام جديد...مشروع الطفل يكبر و الصندوق بالمساهمات معه أيضا يكبر...حتى يبلغ الباكالوريا؟ وماذا لو كبُر وصار يكره النباتات؟ ماذا لو صار حلمه أن "لا يحلم"؟

كارل:

يضع يده على قلبه كما يفعل ممثلو المسرح الجاد

 حينها...سيكون مشروعي قد نجح. لأنه من حق الطفل أن يغيّر حلمه. لكن ليس من حق المدرسة أن تقتله قبل أن يبدأ.

مارتن:

يحك رأسه كمن يحاول فك طلاسم الشعر الحديث

وهل تتوقع أن يفهم هذا الكلام مدير مدرسة بالكاد يفرّق بين المشروع والمنشور الوزاري؟ أو ولي أمر يظن أن الرسم هواية للشياطين الصغار؟

كارل:

يضحك أخيرًا، كمن يعترف بسذاجة مقصودة

بالضبط. ولهذا اخترتك… ستكون أول ولي أمر نحاوره. وسأعطيك بطاقة تقول: "هل فكرت اليوم في حلم طفلك؟" وسأضعها في كيس دقيق الإعانة.

مارتن:

يمثل الصدمة كأن أحدهم طلب منه تحويل القهوة إلى بيت شعر

كيس دقيق؟ رائع! وهل ستوزّع بطاقات الحلم مع قوارير الزيت أيضًا؟ أم أنك ستقنع الشركات أن تموّل "مجلات مصوّرة للأطفال الحالمين" بدل الإشهارات عن السجق؟!

كارل:

بهدوء الحكيم الذي يلبس جينزًا ممزقًا

صدقني، يا مارتن إذا عرف الطفل أن حلمه لا يُستهزأ به فلن يحتاج إلى مليون، بل إلى إيمان واحد فقط.

مارتن:

ينهض، يدفع الكرسي بقدمه، ويهمّ بالخروج ثم يتوقف فجأة

هل يمكنني... اختيار مشروع؟

كارل:

من دون أن ينظر إليه

اختر.

مارتن:

أريد أن أصبح... طفلًا من جديد.

الستار ينزل على ابتسامة، على سخرية، على وطنٍ قد يبدأ من حلم صغير مكتوب على منديل.

ك.ج

تعليقات

أكثر التدوينات قراءة

مفهوم الجسد عند ديكارت

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة العاشرة و الأخيرة ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ السفسطائيون)

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة الثامنة ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ أناكساغوراس)

كانط في المستقبل و نصوص أخرى

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة الثانية ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ فلاسفة الطبيعة)

ينمو التفكير في عقل الإنسان ( المقالة الأولى " نحوَ فلاسفة ما قبل سقراط")