حواريات مارتن و كارل: هامش المعنى، حاشية الفراغ
المشهد:
مارتن وكارل يجلسان على الأرض، يحيط بهما فوضى
من ألوان، فرش، قصاصات صحف، ولوحات نصف مكتملة، وبعضها مقلوب رأسًا على عقب.
الخلفية: مرآة مشروخة.
الضوء يأتي من شمعة... تذوب دون استعجال.
مارتن:
هل تظن أن ضربتك الأخيرة كانت عنيفة بما يكفي
لتُقنع الوجود أنه ليس بحاجة إلى شكل؟
كارل:
لم أقصد إقناع الوجود، بل أن أُربكه... أردت أن يشعر للحظة بأنه مرسوم مثلي، لا حقيقيّ كما يدّعي.
مارتن:
لكن اللوحة؟ لا شكل فيها، لا معنى، لا حتى حدود!
كارل (يضحك):
وهل رأيت العالم اليوم؟ كلما زاد فيه "المعنى"، ازداد فراغه... لوحاتي لا تُظهر الحقيقة، بل تفضح الادّعاء بأن هناك واحدة.
مارتن (يأخذ فرشاة):
وماذا عن اللون؟ كل هذا البني؟ كأنك تغمّس
العالم في قهوة بائتة.
كارل:
إنه لون الصمت حين يُقال...ثم، أليست قهوتنا نحن يا مارتن، أجمل ما ننتجه من مرارة؟
مارتن:
لكن ألا تخشى أن يقول الناس: هذا لا يعرف
الرسم؟
كارل (يهمس ويبتسم):
بل أرجو أن يقولوا ذلك...لأنني لو عرفت الرسم كما يريدون، لكنت نسيت لماذا أمسكت الفرشاة أول مرة.
مارتن (يتأمل إحدى اللوحات):
أتعرف؟ هذه تبدو كأنها صرخة، ولكن مكتومة...كأن أحدهم حاول قول شيءٍ وهو يختنق.
كارل:
هكذا يرسم الحدس...ليس ليوضّح، بل ليختنق بأناقة.
مارتن:
والدادية؟ هل هي السبب في أنك لصقت علبة سردين
في وسط لوحة عن "الفراغ الوجودي"؟
كارل:
بل العلبة هي البطلة الحقيقية...الفراغ لا يُفهم إلا إذا وُضع فوقه شيء سخيف.
مارتن (ساخرًا):
وهكذا يصبح العبث حكيمًا!
كارل:
والفن نوع من "العبث المتأمل"، أليس كذلك؟...كأن ترسم حلمًا لا تفهمه، ثم تبكي عندما تكتشف أنك كنت تقصده منذ البداية...
مارتن:
وهل تريد أن تُعرض هذه اللوحات في متحف؟
كارل:
بل أريد أن تُعلّق في ذاكرة طفل، أو في جدار قديم في حيّ لا أحد يزوره...المتحف يجعل الأشياء محترمة...وأنا لا أثق في الاحترام كثيرًا.
مارتن (ينظر في مرآة مشروخة):
هل ترى هذه الكسور؟ تُشبه تمامًا خطوطك في اللوحة الأخيرة…
كارل:
لأنني لا أرسم ما أرى...بل أستخدم الرؤية لأرسم ما كُسر داخليّ.
مارتن (بصوت منخفض):
ربما، في النهاية، الرسم ليس سوى طريقة أنيقة
للنجاة من الفهم…
كارل:
تمامًا يا مارتن...الرسم الحقيقي ليس أن تفهم، بل أن تحتمل الجهل الجميل.
نهاية المشهد:
اللوحة التي بينهما تحترق، دون أن ينتبها...وهما يواصلان الحوار، كأنّ ما يُقال أكثر بقاءً مما يُرسم.
ك.ج
تعليقات
إرسال تعليق