بين الربح والخسارة: تأملات في الانتماء والحب

في آخر المطاف، تبدو الحياة وكأنها معادلة معقدة من الربح والخسارة: ماذا ستخسر لكي تربح؟ وماذا ستربح، وربما تخسره لاحقًا؟ لا أدري... لكنني بدأت أرى هذه الظاهرة تنسحب على كل شيء اجتماعي، تتغلغل في تفاصيل الحب والصداقة والمصالح، حتى تكاد تتحكم في الخيوط الخفية التي تنسج بها الروابط بين البشر.

كل شيء يتحرك في اتجاه مصلحي، كل شيء يرقص رقصة الانتماء على خشبة الوجود، رقصة متقنة، تُخفي تحتها قلقًا وجوديًا دفينًا. أما أنا، فأشعر كأنني ذئب يتجول في البرية، لا وجهة له، لا قبيلة تحتضنه، ولا تيار يجرفه. ليس لأنني لا أرغب في الانتماء، بل لأنني أرى التيارات وقد تحولت إلى مسرحيات متكررة، يتبدل فيها الممثلون، لكن السيناريو يبقى هو ذاته: ربحٌ يُقايَض بخسارة، وخسارة تُقدَّم قربانًا لربح آجل.

لا أتفق مع من يربح الإنسان ليخسر إنسانيته، ولا مع من يخسر نفسه من أجل أن يربح آخر. لا أريد أن أربح أحدًا وأخسر نفسي، ولا أن أربح نفسي وأخسر أحدًا. إنني لا أسير في طريق المساومات النفسية. هناك شيء داخلي يقاوم كل تلك المعادلات، شيء لا يرضى بأن تُختزل الروح في حسابات الصفقات، ولا أن يُقاس الحب بمسطرة الربح والخسارة.

صحيح أنني لا أعرف تمامًا ما أريده، ولكنني أعرف ما لا أريده.

لا أريد علاقة تقوم على وزنات الميزان. لا أريد صداقة تُقدَّر بما أقدمه فيها، أو حبًا يُوزَن بما آخذه منها. لا أريد أن يكون الارتباط سلعة، ولا أن يُختزل الحضور إلى فائدة، أو الغياب إلى خسارة. أريد حبًا يخرج من نبع داخلي، نقيّ، غير مشروط، غير ملوث بانتظارات أو مقابل.

كل ما يجري بداخلي... هو حب حقيقي.

حب بلا حوافّ. بلا حدود. حب لا يطلب شيئًا، ولا يعد بشيء. حب يكتفي بأن يكون. أن يتنفس. أن يمتلئ ويملأ.

ربما لن يُفهم هذا الحب من قبل كثيرين. ربما سأبدو غريبًا، أو فردًا شاذًا عن التيار. لكنني أفضّل أن أكون وحيدًا بنقائي، على أن أكون محاطًا بألف صفقة عاطفية.

ك.ج 





تعليقات

أكثر التدوينات قراءة

مفهوم الجسد عند ديكارت

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة العاشرة و الأخيرة ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ السفسطائيون)

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة الثامنة ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ أناكساغوراس)

كانط في المستقبل و نصوص أخرى

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة الثانية ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ فلاسفة الطبيعة)

ينمو التفكير في عقل الإنسان ( المقالة الأولى " نحوَ فلاسفة ما قبل سقراط")