وأنتِ لا تعرفين كيف تشرحين ذلك لنفسك!
بعد غيابٍ طويل، يشبه نوعًا من النسيان المدروس، كتبت لي فجأة.
قالت إنها أرادت فقط أن تطمئن عليّ… هكذا
ببساطة، وكأن غيابها لم يكن مفاجئًا، وكأن رسائلها لا تأتي دائمًا متأخرة قليلًا
عن الزمن الذي كنتُ أحتاجها فيه.
قالت إنها كانت تقرأ ما أكتب، أي
خواطري، مقالاتي، محاولاتي الصغيرة لتجميل حزني بالكلمات. لاحظت أنني أكتب عن
الحب، عن اللمعان المفاجئ في القلب، عن التصالح مع الذات، عن الأشياء التي تنمو
رغم الخذلان.
فرحت لذلك، أو هكذا أخبرتني، لأنها ظنّت أنني
ربما بدأت أعيش الحب من جديد، أو أنني على الأقل فتحت نافذة جديدة على الحياة بعد
أن أغلقتها هي في وجهي ذات مساء.
وكان ذلك، بالنسبة لها، مبرّرًا كافيًا
لمراسلتي بعد شهورٍ من الصمت.
لكنني قرأت شيئًا آخر في كلامها.
قرأت تبريرًا داخليًا، غير معلَن، تحاول أن
تقنع به نفسها أن اختيارها لرجلٍ آخر بدلاً مني لم يكن خطأ. كل مرة تراسلني، أشعر
أنها تحاول أن تقول لي ، أو لنفسها، إنها كانت محقة، وأنني بخير، وأنها "لم
تضرّ أحدًا".
هي لا تعترف بذلك صراحة. تقول إنها لم تعد
تحبني.
لكنها "تهتمّ لأمري".
تقولها كمن يضع يده على باب أغلقه منذ زمن، ثم
يعاود فتحه بحجة الريح.
وكم في هذه الجملة من سخرية…
سخرية لا تخصني أنا وحدي، ولا تخصها، بل تخص
الحياة نفسها.
الحياة التي تعطيك حكايةً كاملة، ثم تأخذها منك
دون مبرر مقنع، وتطلب منك أن تتظاهر بأنك لم تكن يومًا البطل فيها.
أنا لا أشكك في صدقها ، صدقها الصامت، الذي لا
يعرف كيف يترجم نفسه.
لكنها لا تُدرك، ولن تدرك، أن هذا النوع من
الاهتمام المتأخر، لا يُطمئن، بل يُنهك. لا يُلملم، بل يزيد شتاتي.
أخبرتني في نهاية الدردشة أنها "لن
تراسلني بعد الآن".
قلت في نفسي، وأنا أبتسم ابتسامة يعرفها التعب:
كم مرة قلتِ هذه الجملة من قبل؟ كم مرة وضعتِ
نقطة النهاية، ثم عدتِ تكتبين سطرًا جديدًا، وكأن شيئًا لم يُكتب قبله؟
وأعرف، وستعرفين لاحقًا، أنكِ لم تتوقفي عن حبي
حقًّا...
بل فقط، لم تعرفي كيف تشرحين هذا لنفسك.
ك.ج
تعليقات
إرسال تعليق