انكسارات المعنى

 أهي أزمة وجودية؟ أزمة نفس؟ أم شيء آخر لا نملك له اسماً بعد؟ ماذا يمكن أن نسمي هذا الجدار العظيم، هذا الحاجز الشفاف الذي لا يُرى ولكنه يُشعر، يمنعك من الانزلاق إلى بهجة الحياة، وفي الوقت ذاته يمنعك من تدميره؟

تبقى معلقًا بين حالتين:

ترى الحدود، تدرك أن هناك شيئًا خلفها... لكنك مختنق، سجين في مكان وزمان لا يتغيران.

هكذا أرى اليومي الذي أعيشه... لا لأنه لا رغبة لي في شيء، بل لأنني صرت لا أنتمي لشيء. لا أرض أضع فيها جذوري، ولا سماء أحلق فيها بثقة. 

كل ما حولي يعوم، وأنا معه... لكن دون رابط. أشعر أحيانًا أنني لا أجد معنى لكوني.  فهل هذه أزمة وجودية؟ أم هي مجرد بداية قصة أخرى؟

ما رميته أعلاه لم يكن سوى لقطة خاطفة من فيلم طويل أعيشه كل لحظة... فراغٌ شاسع بداخلي، هدوءٌ يشبه هدوء كهف مهجور منذ قرون. لكن هذا السكون ليس ظلامًا، بل وضوحاً حادًا، مؤلمًا أحيانًا. كأنني متصل بكل شيء...

أحادث الحيوانات بلا لغة، تلتقي أعيننا كأننا في جلسة قهوةٍ على رصيف ضوء. ألمح الأطفال في الشارع، وأشعر بأن بريق عيونهم يتسع في عيني، كلما تمشيت، كلما أحسست أنني أمنح كل طفل ابتسم لي وعداً بأنه سيظل طفلاً، لن يكبر أبدًا، لن يتكسر تحت وطأة الواقع كما فعلتُ أنا.

الملل؟ أشعر به، أعيشه، ثم أصنع شيئًا وأنا أعيشه، أختار ما أريد، ما أظنه يعبر عني...  لكن لا، لا أشعر أن هذا "أنا". كأنني أقوم بدور، كأنني أُؤدي حياة لا تخصني. ضيف غريب يسكنني. فقدت السيطرة على كيف أفهم العالم، ولا حتى كيف أفهم نفسي.

كل ما أفعله الآن هو أنني أحوم، أرفرف كطير بلا اتجاه. وحين أمرّ على الناس، يشعرون بشيء مني، حب ربما، راحة، دهشة... يريدون أن أظل، أن أكون "لهم"... لكنني لا أبقى. أختفي بسرعة، ليراني المجتمع مجددًا، كظل يتقاطع مع أشكاله...وهو يبتسم لي، أو يظن أنه يعرفني.

ك.ج




تعليقات

أكثر التدوينات قراءة

مفهوم الجسد عند ديكارت

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة العاشرة و الأخيرة ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ السفسطائيون)

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة الثامنة ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ أناكساغوراس)

كانط في المستقبل و نصوص أخرى

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة الثانية ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ فلاسفة الطبيعة)

ينمو التفكير في عقل الإنسان ( المقالة الأولى " نحوَ فلاسفة ما قبل سقراط")