حواريات مارتن و كارل: أن تنقذ العالم بقنينة وسجارة
الجوّ خانق،
المروحة تصدر صوتاً كأنها تنبح ببطء. كارل يدخل بكتفه المائل ونظرة تشبه
إشعار إلهامٍ وصل متأخراً.
مارتن (يقلّب
الدجاج بالبصل بحركة بطيئة، دون أن ينظر):
أعدت... أجزم
أنك حصلت على ما تبحث عنه.
كارل (يضع كيسه
الصغير الأبيض على الطاولة، وكأنه يضع حمولةَ عمر):
أجل فعلت. كوبان
من الشوق، رشّة ندم، وسطور بيضاء تهمس لي أنني عبقري مؤجل.
مارتن (يشير
إلى الطاولة حيث البيرة تبرد مثل ضمير مهمل):
وأنا بدوري
أعددت لك طبقك المفضل، دجاج بالبصل والنسيان... يُقدّم مع جانب من الحنين إلى مشاريع
لم نكملها.
كارل (يضحك
بخفّة المتعب):
جميل. العشاء
المثالي: طعام ثقيل، وسؤال خفيف: هل ستكمل مشروعك في العطلة أم ستكتفي
بالشعور بالذنب؟
مارتن (بهدوء
من جرّب الفشل أكثر مما جرّب البهارات):
الذنب وجبة
قابلة للتسخين دائماً. لكن الشغف؟ ينطفئ مثل شمعة في
غرفة بها مروحة على السرعة ثلاثة.
كارل (يجلس على
الأرض ويسند ظهره إلى الحائط كمن قرر الاستسلام بعناية):
أتعرف، يا
مارتن؟ أكثر ما يثير قلقي... أنني أصبحت أحتاج جرعة من الحزن كي أبدأ العمل. أحتاج
أن أكون موجوعاً لأكتب شيئاً حقيقياً. ولا أعلم إن كنت أكتب لأنني مبدع... أم
لأنني مكتئب محترف.
مارتن (يسحب
نفساً طويلاً من سيجارته، ثم يقول وكأنه يقصّ شعر روحه بمقص صدئ):
الحقيقة؟ أنت
فقط لا تحتمل فكرة أن تكون مثل الآخرين. لذلك تخلق ألمك بنفسك… كما
يخلق الطاهي مذاقاً حارقاً لمجرد أنه ملّ من العادي.
كارل (يرتشف من
قنينة بيرة، يتأمل فقاعاتها وكأنها استعارات ضائعة):
أكره العادي يا
مارتن. ولهذا السبب لا أسافر في الصيف. لأنني
أرفض أن أُسعِد نفسي بالطريقة التي يختارها الآخرون. أفضل أن أُسقِم نفسي، لكن بطريقتي. أن
أعمل وأنا أتفتت، بدل أن أرتاح وأصبح... نسخةً قابلة للتوقع.
مارتن (يرفع
غطاء القدر، يتنشّق الرائحة ثم يغمض عينيه كما لو كانت صلاة):
المشكلة أنك
تريد المعجزة أن تحدث وأنت تنكر أدواتها. تريد أن تُكتب فصول عظيمة دون أن
تجلس وتكتب. تريد أن تغيّر العالم وأنت لا تغيّر حتى نبرة
صوتك مع نفسك.
كارل (بهمس
ساخر):
وهل قلت لك إني
أريد إنقاذ العالم؟ كل ما أردته… أن أُشعِر نفسي أنني أكثر من كائن
متردد...أردت فقط أن أشعر أنني لست زائراً في حياتي.
مارتن (يصب
البيرة في كأسين، ويقول بصوت رخيم مثل حكيم متقاعد):
إذا أردت ألا
تكون زائراً، فابدأ بترتيب غرفتك. ابدأ بإكمال شيء صغير. مقال،
صفحة، حتى فكرة تافهة في مدونتك... لأنك إن لم تبدأ... ستقضي
حياتك في الحديث عن مشاريع عظيمة بين لقمتين من الدجاج، ورشفتين من الوهم.
كارل (ينظر
إليه، ثم يبتسم بتعب لا يخلو من امتنان):
شكراً يا مارتن. دائماً
كنت الطبق الجانبي للحقائق التي لا أريد ابتلاعها.
مارتن (يرفع
كأسه في الهواء):
لنشرب... لما لم
نكمله... ولما سنكمله، رغماً عن كل أعدائنا الداخليين.
كارل (يصطدم
بكأسه في كأس مارتن، ثم يهمس):
ولنكمل... ولو
كتجربة أخيرة، قبل أن نسقط تماماً في "قائمة المهام المؤجلة."
ك.ج
تعليقات
إرسال تعليق