أرجوكم...لنتوقف للحظة ولنتساءل
من الممكن أن نتغير... يمكن أن نصبح أفضل... يمكن أن نتعلم أن تكون أرواحنا حرة... يمكن أن نصير ذلك الإنسان الذي تحدثت عنه كل الفلسفات الشرقية... يمكن أن نفتح نوافذ نفسياتنا المعقدة بما تربينا عليه منذ صغرنا... لكن.
1
إنني أثق بكل
هؤلاء الفلاسفة العظماء والمفكرين والكتاب... وأعترف لهم في غيابهم بأنهم على
حق... المشكلة ليست في العالم... المشكلة في إرادة الفرد وفي قدرته على تحرير نفسه
من ضغط ما يوجد بداخله من تناقضات.
لكن، لابد لي
أن أبوح أيضا ببعض التفاصيل... فلربما... أنا من لدي الحق أكثر... فجميعهم خامدون في الموت... جميعهم لا يعيشون ما نعيش نحن، الأفراد، اليوم... في هذا العصر... لابد
لي، وقبل أن أقرر أي قرارا تافه في حياتي.. أن أكتب ولو قليلا... فلربما هذا سيكون
أفضل اعتراف.
2
غير ما أعرفه حول نفسي أو ما يشكل هويتي الثقافية، كإسمي، عمري، مهنتي، و كفاءاتي...فأنا في آخر المطاف...كائن حي، واعي... أفكر...أشعر... أتألم... وذكائي غريب... أحيانا يتعدى قدرتي على فهمه... أشعر كأنني أعيش في كائن أوسع.. هو يفهمني.. لكن أنا لا أفهمه... أشعر أكثر بأنني أعيش في كينونة لا نهاية لها، خالدة... تفكر في أمور لا أستطيع التأقلم معها...كأن حياتي ولحظاتي الآن، بالنسبة لها، مجرد بعض التفاصيل التي لا تهم... وحينما أحاول أن أفرض على نفسي هويتي... أشعر أن هذا الجهد في الفرض... لا يؤثر... تعود عليَ بمعاناة وألم وجرح كبير...
لذلك أنا
أرفع يدي وأصرخ: من أنا بحق السماء؟ من نحن؟ لماذا كل شيء من حولنا... مجتمعات،
ثقافات... اقتصادات...أيدولوجيات... كلها تشعرنا بأننا نحتاج إلى الأفضل؟ أننا هنا
نعيش في حضارة لها هدف؟
أريد فقط أن
أفهم... لماذا يولد أطفال في كل يوم جديد؟ لماذا هنالك مدارس؟ لماذا هنالك محاكم؟
لماذا هنالك بورصة؟ لماذا هنالك مؤسسات، كل واحدة تحاول أن تقنعنا بأن ما تفعله
مهم؟ لماذا هنالك دول؟ لماذا هنالك سياسات؟ لماذا هنالك إرادة في تغيير وضع
الإنسان؟ لماذا هنالك دين؟ لماذا هنالك إيمان بوجود إله؟ لماذا هنالك جامعات؟
لماذا ندرس تاريخا قديما؟ ونرسل باحثين لدراسة مستحثات ليخبرونا أسرار ما حدث في
قديم الزمان... لماذا كل هذا؟
3
أرجوكم... فقط لنتوقف للحظة ونتساءل جميعا: من
نحن؟
ربما تعديت
حدود الأسئلة الممكنة... أنا لا أريد أن أُهدم كل ما بنته الحضارة البشرية كل هذا
التاريخ الطويل.. لا أريد أن أنكر أي شيء كتب في القرآن، الإنجيل، التوراة، أو في
مختلف اتفاقيات الأمم المتحدة...
لا أريد أن
أنتقد ما وصل له فلاسفة الإغريق و أجدادهم الحكماء.. ولا أريد أن أقول إن كل ما وصل له العلماء مجرد
أوهام...ولكن من حقي... أن أسأل لماذا؟ أقصد... لماذا كل هذا الركام المعرفي؟
الروحاني... والثقافي حول الإنسان... أقصد، مرة ثانية، لماذا نقدس وجود الإنسان...؟
لا أعرف
لماذا أكتب بهذه الفعالية... إنها الرابعة صباحا... ربما وجب أن أنام... فهنالك
غد... ينتظرني أن أكون سعيدا... بصحة جيدة، محفزا للحياة ومنفتحا للانسجام في المجتمع... ولكنني لا أستطيع، أو بالأحرى... وجدت نفسي في عالم آخر... أرى كل شيء
من حولي مجرد هراء... مجرد عالم لا معنى له... كل شيء... الهدف منه... هو أن نساهم
في استمرار وجود البشر... دون أن نساهم في معنى أن يوجد حقا البشر...
لا تثيرني
فكرة أن أكون سعيدا وناجحا... لا تثيرني فكرة الوطن...كما لا تثيرني فكرة أن هنالك
عالم يمكن أن أسافر فيه و أكتشف ثقافات مختلفة... لا شيء يثيرني... لأنني، بطريقة
ما، اكتشفت أن كل شيء متشابه... كل شيء مجرد صورة واحدة... صورة وضع بشري...
الأفراد فيه، منذ ولادتهم، يتربون على التركيز في مستقبلهم... بيد أن مستقبلهم...
مجرد سراب...يكبرون... ثم ينصدمون... لا يستطيعون المواجهة... يلدون أجيال
جديدة... يحاولون أن يرموا لهم هذا الإرث، هذا الوهم... بأن الحياة تستحق وجود
الإنسان... بيد أنني، و بكل صراحة، أرى العكس... الإنسان يستحق الحياة.
4
سأكتفي من
رمي كل هذه الأسئلة في مستنقع الشكوك... سأحاول أن أهدأ... ولأحاول من جديد أن
أرَكِبَ، ربما، فلسفة جديدة، ستنفعنا جميعا.
يجب أن نتفق
جميعا، كل الكائنات البشرية، في كل مكان في هذا العالم، أن لا هدف من وجودنا...
أرادت الطبيعة بشكل ما أن تستمر وتتطور...
لا أعرف
بالضبط ماذا حدث...ولكن بطريقة ما...وُجدنا... لأننا نحمل بداخلنا الكثير من
الطاقة التي تريدها الطبيعة، والتي يمكن أن ألخصها كما الآتي:
فينا صراع الفرد والغير، فينا صراع الطبيعة والثقافة،
فينا صراع الاستسلام والاستمرار وفينا صراع الحرية والعبودية... كأننا شكل من وعي
يمكن له يُسرع فكرة التطور التي تبحث عنها الطبيعة ويبحث عنها الكون نفسه... أن
نجعل من كل هذا الوجود الواسع أكثر فعالية...
بيد أن هذا
نسبي وربما أيضا متناقض... فما الغاية من وجود الله إذا كانت الطبيعة تحب
التطور... وما الغاية من وجود الدولة إذا كانت طبيعة المجتمع هي التقدم؟ إنني أرى
أن أحدا ما قد خان الإنسان وخذله في وقت ما... لا نعرف متى... ولكن أؤمن أن في
قديم الحضارات... أحد ما... خذل الطبيعة وخذل الكون ودفع بالوجود الإنساني إلى
حضارة... الهدف منها هو استعباد طاقة الإنسان ورميه في مستقنع وجودي مليء بالرغبات والحاجات...
حتى صرنا اليوم...نرى الحياة، كل الحياة، مجرد حرب أهداف... حرب امتلاك... حرب جوهرها... الأنانية والعنف.
5
وفي آخر المطاف... لا الطبيعة وصلت مغزاها. لأن
المدن غزت الكوكب... ولا الكون وصل مغزاه. لأن الإنسان صار يرى الفضاء مجرد تجارب
مركبات وسفر بين المدارات...
إننا نحتاج
إلى نقطة نظام وجودية ... إننا حقا في حاجة إلى استراحة... لابد أن نعيد تنظيم كل
شيء من جديد... فالأثرياء لا يفهمون معنى الوجود... إنهم منغمسون في رغبات
السيطرة... والفقراء أيضا، لا يفهمون أي شيء حول معنى الوجود، فجميعهم، كل يوم،
يبحثون عن قوت يوم... ولا العلماء... فهم في المختبرات، يختبؤون وراء تجاربهم... ولا
الفلاسفة و المفكرين، جميعهم، خذلهم القلم... صاروا يكتبون حول الوجود كأنه منتج
... يمكن أن نبيعه في كتاب... و لا الفنانين... كلنا... جميعنا... لابد أن
نتوقف... فما نفعله مهزلة... و لا أحد يمكن أن يوقظنا سوانا... لابد أن نعيد النظر
في هذه الحياة... فنحن لسنا مجرد مدينة ذكية...لسنا مجرد سيارات و طائرات... لسنا
مجرد معابد... مسارح و ملاعب... لابد أن نعيد فهم من نحن..
6
إنني مستاء
منا... لقد خاب ظني... ولأنني أحب فكرة الإنسان... كتبت كل هذا وبحت بما داخلي...
أردت أن أساهم في وجود حيث جميعنا.. يمكن أن نتبع منطقا نتحرر فيه من التمركز الذي
فرضناه على أنفسنا... فلسفة يمكن بها أن يصير جميع الناس في كل مكان حول العالم...
يستيقظون كل صباح ليعيشوا الحياة... كما هي... لا أن يعيشوا من أجل ثقافة أو
عادات...
ربما أنا
أكتب بعيدا عما ترتاحون له... ربما أبدو مجنونا... ربما لو كنتم ستنصحونني بشيء،
لقلتم لي: فلتذهب لطبيب نفسي فأنت مجنون... ربما ستحاولون أن ترموني إلى الهامش...
فقط من أجل الراحة التي وجدتموها في نمط هذه الحياة... لكن صدقوني: إنني لا أرى في
حياتنا سوى خراب نفعل المستحيل ليبدوا جميلا... أرجوكم أصدقائي الناس، البشر، لا
أدري ما هو أفضل اسم أناديكم به، فلنتوقف.. فهنالك الكثير لنفعله... بعيدا
عنا... الغاية ليست نحن... الغاية هي هذا الوجود...لابد أن نفهمه... ليس بالعلم...
و لكن بالهدوء... بقدرتنا على أن ننسى أننا مركز اهتمام...
كانت هذه رسالتي... وكان هذا جوهر الحب الذي أكنه لنفسي، لكم، للعالم، للطبيعة، للكون ولكل شيء ننتمي له ولا زلنا لا نعرفه.
ك.ج