يقظة الشك

كانت الساعة تشير إلى الثانية عشر ليلا حينما خرجت من حانة تريبل بامبو في طنجة، تمشيت نحو المنزل وأنا أفكر:

" ماذا سأفعل هذه الليلة؟ لا أريد أن يحكمني فراغ كل الليالي التي مضت... أنام غصبا عني...فقط لأن الطبيعة فرضت على كل الكائنات الحية أن تنام..."

وأنا أتمشى...نادني طفل في سن العاشرة، متشرد غالبا، كان مع أصدقائه الذين اختاروا أن يقضوا ليلتهم بين حشائش حديقة بجانب الطريق... سألني:

" عمو شحال الساعة.."

أجبته دون أن أعير أي اهتمام لتفاصيل ملامحه:

" طناعش ونص"

أكملت المشي، وصلت المنزل، دخلت ثم رأيت ما تبقى من ليلتي... كسراب في كل أنحاء المنزل... تسخر مني وتقول:

"أجئت أيها الشاب المتفلسف... هربت مني... والآن عدت... تعال لأقضي عليك مجددا... تعال لأعذبك ... تريد أن تحيا مختلفا عن طبيعة عبيد الليل... هيا أزل ملابسك واستلقِ على السرير... أنا قادمة ككابوس... سأرهقك بالتفكير...لن تنام... لن ترتاح.. ستفكر في كل شيء... ستشرق الشمس وأنت لا زلت غارقا في يقظة الشك..."

فتحت الثلاجة، أخرجت قنينة جعة، أشعلت سيجارة، ثم موسيقى ...جلست على الأريكة، شغلت حاسوبي... وحاولت أن أكتب... لكنني لم أستطع.. فدائما ما أجد نفسي أمام المشكلة نفسها:

" ماذا سأكتب؟ لمن؟ ولماذا؟"

أفكر في الشباب الذين قرروا أن يعيشوا الحياة بنظرية القفل، وهي نظرية مفادها أن الهدف من الحياة هو ألا نشارك أي شيء بداخلنا...نعيش وفقط... ثم، على حسب ما فهمت، نموت...كأننا لم نكن أصلا...

أفكر أيضا في الذين غرقوا في أسرارا وفرضيات تدفعني لأفقد ثقتي في أنني مهم أو أن لي دور في هذا العالم... كأنني موجود فقط لأعيش الأزمات...

على أي... هذه مجرد تفاصيل... لا قيمة لها... لن تنفع أحدا... أرجو أن تذوب في حريق الواقع الذي لا يرحم أفرادا عاطفيين مثلي...