خواطر آخر يوم قبل سن الثلاثين

 
أفكر و أفكر...

أفكر في كم أنا لست إنسانا، لا إلها، لا شيطانا ولا حتى حجرة أو طوبا أو حديدا ما.... أفكر في كم أنا وعي يعرف ضعفه...يعرف قوته...يعرف حدود واقعه ولا نهايةَ خياله وأحلامه.... 

أفكر في الماء الذي أشرب ...أفكر في الكهرباء التي تنيرني وتربطني بعالم رقمي... أفكر في كل شيء وأتعجب: لماذا حدث كل هذا... لماذا... صارت الحياة أمامي مجرد علامة تعجب؟

أفكر في كيف يمكن أن أصير سيد نفسي وكيف يمكن أن أعلم ذاتي المرهقة بالعقد أن تتعلم فن الحرية النفسية والاستقلال الروحي.... 

أفكر في كيف يمكن أن أتعلم المشي من جديد، لا على رجلي، لكن على أفكاري وعواطفي التي اغتصبها مجتمع من حولي حينما لم تكن عندي قدرة على التعبير.... 

أفكر وأفكر ثم أشعر بالدوخة... أنهض من الكرسي...ثم أتمشى كأنني أتمشى إلى مقبرتي...لأموت وأمنح جسدي لروح أخرى ثم أتبخر في الكون...كأنني لم أكن أبدا...

لكنني لا أستطيع. فبداخلي... هنالك كائن ما... يعرفني أكثر ما أعرف نفسي... دائما يحاربني لأستسلم... أتركه يعيش كما هو يرغب ويريد...لكنني لا أسمح له... أخدر عقلي...قلبي وأجمد نفسي...فقط لكيلا يستطيع أن يتحكم في..

لن أنام...

في هذا الصباح الباكر الذي لا زال في عيناي ليلا طويلا.... الشمس ستشرق...لكنني سأراها قمرا.... في هذا الصباح الباكر...سيصيح ديك ما...لكنني سأسمعه كصوت بومة أو خفاش الليل...

 في هذا الصباح الباكر...جسدي سيخبرني أنني صرت رجل المستقبل...لكنني سأرفض...ولن أنام سأبقى مستيقظا كطفل يلعب إلى الأبد...لكن لعبتي الآن ليست مجرد لعبة يمكن أن تُشترى في السوق... بل لعبتي هي الوجود....

 سأبقى مستيقظا حتى يتعب كل ما بداخلي... وينام... وأرجو أن يكون نوم هذا الصباح ليس أبديا فقط...ولكن نوما ينقلني من قلق الإنسان الراغب بداخلي المستعبدِ بنفسيته العميقة...إلى إنسان لا يرى أي شيء أمامه سوى طريقا فارغة تؤدي إلى السلام.... سلام إنسان خالد...

تعلمت...

تعلمت أن الحب في الصداقة وتعلمت أن الصداقة لا تأتي بعشرة الزمن فقط، ولكنها تأتي بكم الفرد ونفسه يرفض أن يكذب بداخله حول حقيقة أن لا أحد يمكنه أن يمد يده لاحد آخر إلا حينما يؤمن بأن اليد التي تمتد من فرد لآخر هي اليد نفسها التي يمدها الكون لنفسه عن طريق كل الحيوات الممكنة في أعماق مجراته...

تعلمت أن العالم الذي نعيش فيه وعاش فيه أجدادنا وأحفادنا عالم لا يعرف كيف يسير... لا يعرف الفرق بين المستقبل والحاضر والماضي...وأن كل ما يحدث، ما هو إلا محاولة يائسة من البشر للتعبير على وجودهم...وجود بشري...يحب أن يكون دائما هو السيد... ولكن السيد على من؟ على الأزلية؟ أو الفوضى؟ أو العدم...

التحرر من الألم و المعاناة....

في لحظة...تألم كل ما يُكِون من أنا، عيناي، أسناني، عضلات جسدي..و حتى أفكاري... ألم أتى فجأة لينتقم مني، لأنني تحديت طبيعتي لأكون مستيقظا و متأملا...ملاحظا لكل شيء لأفهم... جسدي تألم لأنني أريد أن أفهم...

بيد أنني قبلت هذا الألم... فصرت لا أجد صعوبة في أن أكتب و أنا أتألم..... أقصد: إنني حقا  أكتب رغم أنني أتألم كثيرا... لقد بدأت أعتاد على أن أكتب و أنا في ألم...

الكتابة ثورتي ولو كنت في الثلاثين...

جسدي تعب، كـأنه يريد أن يٌصعد الأمر و يرميني في غيبوبة لكنني لا اخاف من فكرة أن أغيب، أو أموت أو أفقد كل ما يدفعني لأن أحيا مفكرا...جسدي ضجر مني و وقال في صمت:

افعل ما تشاء يا حكيم... فأنا فقدت السيطرة عليك... و أنت الجسد المناسب لك....جسد لا ينام...لا يجوع...جسد مكوناته ليست مكونات فانية.. 

جمعت كل قوتي وتحملت الألم أكثر واستمررت في فعل الكتابة... كتبت كل شيء جال في بالي التائه.... وكتبت حتى انتهت كل المعاني بداخلي وتأملت في عدم اللغة...حيث لا كلمة ...لا حرف ولا معنى... واكتشفت أن الحقيقة وراء التعبير...هي فقط رغبة أنانية في تركيب الفراغ على شكل يبدو مليئا... بماذا؟ بوهم...

 بدأ الألم يخف.... وشعرت بأن المعاناة... ليست إلا تدريبا لفكري وروحي.... لتكون صامدة... وها أنا الآن صامد وقوي... لا شيء يخيفني.... سوى أن أفقد هذه اللحظة أو القدرة على ألا أكتب.