توجيشا كينكيو: البحث في الذات
ماذا لو كنت تعاني من مشكلة نفسية، هل ستفضل الذهاب
إلى طبيب نفسي؟ أم تعمل بنفسك على تجاوزها؟ غالبا سيكون الاختيار الأفضل أن تعتمد
على خبرة طبيب نفسي...
لكن ماذا لو أخبرتك أن في اليابان كانت هنالك طريقة كان
يعتمدها الأفراد لمعالجة أنفسهم وتسمى: توجيشا كينكيو أو علم الذات إن
حاولنا القيام بترجمة تقريبية.
اعتمادا
على بعض القراءات، فهمت أن هذه الطريقة بدأت كحركة في الثمانينيات من القرن الماضي،
وظهرت كممارسة في بداية الألفينات من طرف بعض السكان المحليين الذين شخصوا بأنهم
مرضى نفسيين في منطقة أراكاوا جنوب هوكايدو.
بداية،
يمكن تفكيك هذا الاسم المركب إلى:
·
توجيشا والتي تعني الأطراف
المعنية وغالبا كان المقصود بهم الأقليات، الذي يختلفون عن السائد من الناس.
·
كينكيو فتدل على البحث أو
التحقق.
وإن
جمعنا الكلمتين في ترجمة حرفية فتسعني: البحث في شؤون الأطراف المعنية،
ولكن المقصود منها هو البحث المستقل في الذات، بحث يقوم به الفرد
بنفسه أو مجموعة من الأفراد الذي يتشاركون في نفس المشكلة والتي هي في تاريخ هذا
الممارسة: الاضطراب النفسي.
حينما
بدأت هذه الممارسة في اليابان، بدأت كحل اختراه الأفراد لأنفسهم، فبدل أن يحكموا
على أنفسهم بأنهم مرضى أو ضحايا، ويحتاجون إلى الذهاب إلى عيادات طبية ونفسية
للتعافي، اختاروا أن يقوموا بهذا الأمر بأنفسهم، أي أن يبحثوا عن سبب المشكل، ويقومون
بالتأمل الذاتي من أجل إنتاج معرفة عما يحدث، وهذه هي الفكرة الأساسية: التساؤل
والملاحظة الفردية
والتأمل
الذاتي في هذا السياق يعني أن الفرد يتقبل مشكلته ويتعايش معها، وفي كل يوم جديد
يطور قدراته في اكتشاف خبايا المشكلة أكثر وينتج معرفة أكثر ثم يشاركها مع
الآخرين، فيتقبلونها وهكذا تصبح مكانة هذا الفرد في وسطه محترمة، أي أنه منتج
لمعرفة حول مشكلته، وهدفه أن يجدل حلا عن طريق تعايش الآخرين معه.
لم
أجد الكثير من المصادر في هذه الممارسة غير كتاب كنت أقرأه، وبعض المقالات باللغة
اليابانية التي ترجمتها لأفهم الموضوع أكثر لأنسج في النهاية الخيوط وأربط بين
معارفي السابقة حول علم النفس وهذه الممارسة فأخرج ببعض الدروس أهمها الاتي:
·
المجتمع هو سبب المشاكل النفسية: وقد تأكد لي هذا
الأمر وأنا أقرأ سياق وتاريخ توجيشا كينكيو، فالدافع الذي جعل هذه الحركة تكبر
وتتوسع في اليابان هي إيمان الأفراد بأن ما يحل بهم ليس هم سببه، ولكنه المجتمع، ولابد
لهم أن يعتمدوا على أنفسهم لحل المشكلة وعلى المجتمع أن ينخرط معهم وليس أن
يعتبرهم ضحايا أو عبئا عليه.
·
المشاركة والتعايش: كيفما كان المشكل،
مرض نفسا، أو مشكلا اجتماعيا أو اقتصاديا، إذا لم يعتمد المجتمع على قيم المشاركة والتعايش
فلا يمكن إيجاد حل... وهذه الممارسة تقوم بشكل قوي على هذه المبادئ.
·
التأمل والبحث الذاتي: والفرد باعتباره
مسؤولا على نفسه، يتخذ المسؤولية ليفهم ذاته، قم يتأمل أكثر فأكثر... وهذه أول وأهم
خطوة في التعافي.
في
النهاية، هل تعتقد أن هذه الطريقة جيدة؟ في نظري أجل، لأنها تقوم على فكرة لطالما
حاولت كل ثقافات العالم تعلمها وهي الاعتماد على النفس في حل المشكلات وإخراط
الآخرين من أجل التعاون، خصوصا في سياق الأمراض النفسية، ففي الفهم العادي لدى
غالبية الناس: المريض النفسي محتم عليه أن يعيش في لعنته ولا يمكن له أن يعتمد فقط
على نفسه، فهو أصلا مريض نفسي.. لكن هذه الفكرة خاطئة وممارسة توجيشا كينكيو تأكد
هذه الحقيقة.
أيضا،
هذه الممارسة تفتح النوافذ على مبادئ إنسانية كبيرة أهمها: عدم الحكم على الآخرين،
فلا أحد يختر أن يصبح مريضا نفسيا، وإن حدث الأمر، فلابد من التعامل معه بسماحة وتحفيزه
على أن يشارك ما يشعر به، وأن يصف مشاكله الداخلية... فالإنسان بطبعه يبحث عن
الحلول، لكن إن وجد نفسه في بيئة اجتماعية منغلقة، فسيقبل نفسه كضحية ولن يجد سوى
سرير في عيادة طبية ينام فيها إلى الأبد.