هل السعادة ممكنة؟

وأنا أتصفح مجلة أشتريها مرة في الشهر تتعلق بمواضيع ثقافية وفكرية، جذب انتباهي عنوان من عناوينها: " 8 طرق لتصبح سعيدا.."

بعدما انتهيت من قراءته اعترتني دهشة كبيرة، لأن الكاتب اعتمد في مراجعه على كتابات الفيلسوف برتراند راسل، وجوهر الدهشة في أنني قرأت كثيرا لراسل، ولكن لم أدرك أنه كتب أيضا في موضوع السعادة ولديه كتاب تحت عنوان: انتصار السعادة.

لم أنتظر كثيرا، تصفحت في الأنترنت وبحثت عن نسخة إلكترونية للكتاب، وقرأته وبعدها تعلمت أهم درس من هذا الكتاب:

 اجعل اهتماماتك واسعة قدر الإمكان، واجعل ردود فعلك ودودة لا عدائية بأقصى درجة ممكنة تجاه الأشياء والأشخاص الذين يهمونك.

ربما هذا الدرس يجيب على سؤال مقال اليوم، ولا داعي لإضافة أي شيء آخر؟ لا... الحقيقة أننا فقط في المحطة الأولى لنجيب على السؤال... فرغم أن فكرة توسيع الاهتمام وتعلم فن الود في ردود الفعل تبدو فكرة رائعة وبفضلها يمكن أن تبقى السعادة ممكنة في حياة الأفراد... إلا أن في عالمنا اليوم ليس كل شيء واضح يعني أنه سهل التعلم.

لذلك سأكمل على ما توصل له راسل وأطرح أسئلة أخرى: كيف يمكن توسيع نطاق اهتماماتنا؟ وكيف يمكن أن تصبح ردود فعلنا ودودة بأقصى درجة ممكن؟ ففي نظري، تحديد أجوبة واضحة لهذه الأسئلة سيجعل درس برتراند أكثر واقعية.

كيف يمكن توسيع نطاق اهتمامنا؟

ماذا نقصد بمفهوم "الاهتمام" بالتحديد؟ هل هو الشغف؟ أو الحب؟ أو الفضول الذي يعترينا تجاه شيء أو شخص ما... بطريقة بسيطة، أرى أن الاهتمام هو فعل وجودي أو لأقل أنطولوجي، غالبا ما يكون صوتا بداخلنا، ويكون بالعادة إيجابيا...يدفعنا إلى التصرف... أي أن نتعلم، نسافر، نتحدث.. أو أي شيء آخر يجعلنا متصلين بمن نحن حقا.. وأؤمن بشدة أن راسل قصد أيضا نفس التعريف... لذلك أكد على شرط توسيع نطاق اهتماماتنا... أي نمنح انتباها أكثر لهذا الفعل... ونتعلم القيام به أكثر...لأنه في آخر المطاف يعبر عن جوهرنا الفريد...

كيف يمكن أن نجعل من ردود فعلنا ودودة بأقصى درجة ممكنة؟

إن كلمة "الود" تحمل الكثير من الحب اللامشروط، المتزن والحر... أي أن القدرة على الود تعني أن الفرد تعلم أن بعضا من مشاعره لا يمكن أن تتأثر بالمحيط الخارجي، فمثلا في حالة الغضب، أو التعرض للخيانة، أو الكذب، أو أي فعل غير أخلاقي... نفسيتنا تتوتر وغالبا ما نكون عرضة لنصبح أكثر عدوانية، وهذا أمر طبيعي في وجودنا البشري...إنه طبعنا...لكن حكمة راسل في هذه النقطة تعني أن السعادة لا يمكن أن تشرق في روح الفرد إلا بعدما يحرر نفسه من طبعه البشري... وهذا التحرر يكمن في تعلم فلسفة الود في حياتنا..

وإن تساءلت في هذه اللحظة: كيف نتعلم فلسفة الود؟ فأنت بالفعل حررت نفسك من أول قيد يجعل السعادة مستحيلة وهو الوعي بجوهر المشاكل... ولكي نعرف كيف يمكن أن نجعل ردود فعلنا أكثر ودا... يجب أن نعرف كيف نربط بين ما نهتم به وما لا نهتم به... لأن في الغالب كل المشاعر السلبية تأتينا حينما نفعل أشياء لا نحبها...

إذن لتصير ودودا مع الآخرين، يجب أن تكون ودودا مع نفسك، أي تفعل ما تحب لنفسك أن تفعله وتوسع أكثر اهتمامك بهذا الفعل... وطبعا... مع التجربة، ستصير أكثر اتزانا وصلابة، فتصير السعادة جزءا منك وليس موضوعا تبحث عنه خارجك...فحينما لا تنتظر السعادة من أحد ما، ستكون معه ودودا... وحينما تدرك اهتماماتك حقا...لا شيء خارجي سيثيرك...

ما رأيك؟ هل تعرف كيف تجعل السعادة ممكنة من جديد في حياتك؟ أؤمن أنك كذلك...