قصة الكهف

مارتن: "لقد مر وقت طويل يا كارل...لم نتحدث...لم نتواصل...لم نناقش... أين غبت...إنني أريد أن أتواصل معك ولا أدري كيف...أشعر بنفسي كجني محبوس في قنينة زجاجية... وحيدة في قاع البحر..."

بقي مارتن يحادث نفسه...لقد مر وقت طويل لم يسمع أخبارا عن كارل... يشعر بالوحدة...ولا يدري ماذا يجب عليه أن يفعل... لقد اشتاق لصديقه... وصاحب أسرار إلهامه...

في تلك الأثناء، كان كارل يعيش في بعد موازي... إنه يسمع كل همسات صديقه مارتن.. لكنه لم يجد طريقة ليرسل ولو إشارة تمنح مارتن إحساسا بأنه مدرك بوجوده ويقدر على التفاعل معه.  

إن قصة سفر كارل إلى هذا البعد الموازي غريبة جدا... وهو نفسه لم يعرف كيف حدث له الأمر... ذات صباح بعدما تناول وجبة الفطور ومارتن، قرر أن يتمشى بجانب المنزل ويستمتع بأشعة الشمس التي انتظر قدومها كل شهور فصل الشتاء، لفت انتباهه كهف لم يسبق أن لاحظه... فقرر أن يدخل إليه ويكتشفه... علما أنه كان حقا بلا عدة ولا لوازم... اقترب من الكهف وبدأ يلاحظ... شعر بالفضول...ولم يعر أي اهتمام لما يمكن أن يحدث إذا تقدم أكثر...فتقدم أكثر... لحظة بلحظة...حتى وجد نفسه في قاع الكهف. التفت إلى الوراء وفي ظلام حالك، لم يستطع أن يعرف طريق العودة ولا حتى طريق التقدم...فالكهف كان مظلما... بيد أن الأصوات كانت قوية... كأنه في غابة مظلمة...لكنه لا يرى أي شيء...مرة يسمع أصوات عصافير...مرة أصوات غزلان...ومرة أصوات حيوانات متوحشة... بدأ يلامس بيديه لعله يجد شيئا ما يمنحه معلومة على طبيعة المكان...لكن كلما لامس شيئا شعر بأنه يلامس مطاطا وأحيانا لا يلامس أي شيء كأنه يداعب الهواء بأنامله... في تلك اللحظة أدرك أنه في مكان ليس واقعيا... وبدأ يشعر بالدوار... فكيف له أن يتمشى في مكان لا صلب فيه؟ وكيف له أن يلامس ما لا يمكن أن يلمس؟ بل كيف له أن يسمع ما لا يمكن أن يسمع؟ أدرك أن الكهف الذي دخله كان نوعا من خدع الطبيعة... وتذكر بعض أحاديثه مع مارتن حول السفر بين الأكوان وكيف للكهوف علاقة بالأمر...لم يتحمل ما يحدث له... وفقد وعيه... مرت لحظات ليستيقظ ويجد نفسه خارج الكهف...ولكن محيط الكهف كان مختلفا... بدأ يتمشى ليجد نفسه في طبيعة مختلفة... وفي تلك الأثناء أدرك أنه سافر بين الأكوان عبر كهف. حاول أن يعود للكهف، دخل...لكن الكهف كأي كهف عادي... فيه صخور... وحفر... ولا شيء غريب... خرج منه مجددا وأدرك أنه فقد طريق العودة... اتكأ على شجرة وبدأ يتأمل...لعله يسمع خواطر مارتن.. وحقا فعل...لكن الأمر كان غريبا جدا... هو يتلقى خواطر مارتن... لكن لا يستطيع أن يشعر بأن مارتن يتلقى خواطره... شيء ما ليس عاديا... إن كارل منفي في بعد موازي... وربما سيبقى منفيا فيه إلى الأبد. والمسكين لا يدري ماذا يجب عليه أن يفعل... كانت هذه قصة غياب كارل...

بدأ مارتن يفكر... وفي لحظة أدرك أن كارل يمكن أن يكون محبوسا في مكان ما... فهو يعرف أن فضول كارل لطالما أقحمه في مشكلات.. وغالبا ما ينقذه مارتن...بدأ يتمشى حول المنزل... في كل يوم يختار مكانا... حتى وجد الكهف.... عاد إلى المنزل وأعد بعض المستلزمات، أهمها: وسائل الاحتماء من الهلوسة وبعض الأدوات لتحديد الفرق بين الواقعي والخيالي... ودخل.

كان يتمشى بتريث ويلاحظ، فاكتشف أثر خطو كارل... وبدأ يتبعه...حتى وجد مخرجا... وبدأ يتمشى فيه، ليجد نفسه خارج الكهف... بدأ ينادي:" كارل...هل أنت هنا؟" في تلك الأثناء، كان كارل متكئا على شجرة يتأمل وهو يسمع صوت مارتن، وفرح ونفسه وقال: "أنا الآن أتلقى خواطر مارتن"، فركز أكثر ليرسل خواطرا مفادها أنه محبوس في بعد موازي ولا يستطيع العودة إلى الديار... فجأة شعر بشخص ما يضرب على كتفه، فتح أعينه ليجد مارتن يخاطبه:" استيقظ أيها الغبي، غبت كل هذه الأسابيع وأنت فقط في غابة الصنوبر البعيدة عن المنزل بكيلومترات قليلة... هيا نعود إلى المنزل." كان كارل مصدوما... بدأ يبكي، عانق مارتن وعادا إلى المنزل.