هل للحب لغة؟
لكي أجيب على السؤال سيكون ضروريا في البداية أن نعرف ما هي اللغة. فلسفيا، يمكن اعتبار اللغة كأكبر ما يميز الإنسان عن الكائنات الأخرى، وهذا يعزى إلى أنها تحمل الرموز والمعاني والدلالات وتجعل الأفراد في تواصل مستمر ومتطور وأيضا متجدد، ولا يوجد أفضل من الفيلسوف والباحث في إشكالية اللغة لفهم هذا الأمر، وهو جاك ديريدا.
في فكر ديريدا، اللغة
نسبية، أي أنها تتغير بتغير البيئة التي تنشأ فيها اللغة، حيث إن فعل التأويل يؤثر
على تطورها خصوصا حينما يصبح التفاعل بين الأفراد والثقافات أكثر تعقيدا.
وإن كان شيء نستخلصه
من هذا الطرح الأولي، فلن يكون إلا الخلاصة التالية: اللغة ليست إلا تأويلا. وبهذا
سأطرح السؤال: هل الحب تأويل أيضا؟ إن ربطنا تعريف اللغة الذي توصلنا إليه مع
ديريدا فطبعا الحب هو أيضا مجرد تأويل، فكيف إذن يمكن أن نعتبر أن للحب لغة؟ أو
يمكن أن نقول إن هنالك قواعد ثابتة في لغة الحب؟
للحب أكثر من لغة
وأنا أبحث في مختلف
الكتابات المرتبطة بسؤال لغة الحب، اكتشفت الكثير من المصادر وأشهرها في عصرنا
الحالي كتاب لباحث اسمه غاري تشابمان، الذي قام بتقديم 5 لغات للحب وهي كالاتي:
الكلمات التشجيعية، جودة الوقت، الهدايا، الأعمال الخدمية ثم اللمس، وبناء على
بحثه ودراسته، فكل فرد يتمتع بلغة من هذه اللغات وأيضا كل ثقافة تربي أفرادها على
واحدة أو أكثر من هذه اللغات وذلك على حسب مرجعيتها الدينية، عاداتها وتقاليدها
أيضا وإلى أي مدى هي متفتحة في سؤال لغة الحب بين الأفراد.
بيد أنني لم أقتنع
كثيرا فقمت بالبحث أكثر محاولا أن أجد معرفة أكثر إقناعا خصوصا أن مرجعيتي
الفلسفية تجعلني أؤمن أكثر بأن اللغة بحد ذاتها نسبية فسيكون من الصعب أن نبني
حقائقا في الخطاب اللغوي والتعبيري ونحن نعرف أن لغتنا بحد ذاتها موضوع تأويل.
لكي نفهم الأكثر ذهبت
أقرأ في الفلسفات الروحانية والشرقية لاكتشاف مفهوم الحب بذاته، وكانت صدمتي نوعا
ما قوية، لقد اكتشفت أن الحب لا لغة له في الأساس، وهو نوع من الإدراك للذات والآخر
يتعدى الكلمات، وأن اللغة تأتي بعد الحب وليس العكس(...) بمعنى أن لغة الحب تشبه
لغة الكون، فإن تساءل: ماهي لغة الكون؟ غالبا سأقول الرياضيات؟ أو الفيزياء؟ ولكن
هذا ليس دقيقا.. فالكون يتعدى حقيقة أن تكون لديه لغة؟
الخلاصة لحد الآن هي
أنه سيكون من الصعب تعريف الحب من منظوري اجتماعي، وسيكون أيضا مستحيلا أن نربط
قواعد ثابتة في لغة الحب، فالحب ظاهرة شمولية، وكل ما هو شمولي سيكون صعب تفكيكه
إلى أجزاء صغيرة، حتى محاولة التفكيك هذه ربما ستسقطنا في أخطاء التأويل التي
أقتنع أن أغلب المنظرين في لغة الحب وقعوا فيها.
ما الحل إذن؟
الحب بحد ذاته لغة
لكي أحرر نفسي من
تناقضات البحث النظري، حاولت أن أدرس إشكالية لغة الحب من منظور مختلف، فلم أجد
أفضل من الملاحظة الاجتماعية للتفاعل بين الأفراد، كان سؤالي الأولي بسيطا: كيف
يعبر الأفراد عن الحب؟ بشكل دقيق؟ كيف تعبر الأم والأب عن حبهما لأطفالهما؟ وكيف
يعبر الأصدقاء فيما بينهم عن الحب؟ وأيضا؟ كيف تعبر الدولة حبها لمواطنيها؟ وكيف
يعبر المواطنون حبهم لوطنهم؟ هل هنالك لغة يستخدمونها؟ أم هي أفعال؟ أم أن الحب لا
يتم التعبير عنه أساسا؟ يبقى مجرد فعل بلا شكل تعبيري؟
لكي أجيب على كل هذه
الأسئلة، بحثت عن قصص حدثت ربما في التاريخ تعبر على إشكالية التعبير عن الحب، فلم
أجد أفضل من محاولة قامت بها شركة في المغرب معروفة بمنتوج لها يسمى ميرندينا Merindina،
كيكة بالشكولاتة كل المغاربة يعرفونها، يحبها الأطفال و المراهقون أكثر، نظرا
لأنها رخيصة و جودتها جيدة... الفكرة التي قامت بها الشركة هي أن تحيي خطاب الحب
عن طريق كتابة بعض المفردات من قبيل: "أحبك"، "أفكر فيك
دائما"، " لا يمكن أن أنساك"، "أنت و أنت واحد"، إلخ... فالتلميذ
حينما سيشتري الكيكة سيجد كلمة حب جميلة، يمكن أن يهديها لصديقته، صديقه، أو أيضا
إلى أمه، أو ابيه، أو إلى أستاذه...كلمات حب يمكن أن تنشر الفرحة، و تدفع بالأفراد
إلى أن يثقوا في بعضهم البعض عن طريق كيكة... خصوصا في بيئة مدرسية غايتها هي
التربية على القيم. بيد أن هذا لم يحدث،
فأغلب العائلات رفضت هذه الفكرة التي قامت بها الشركة، لأنها تنافي قيم المجتمع
المغربي، ولكن هذا حقا صحيح؟ وهل الحب ليس قيمة من قيم المجتمع المغربي؟ وكيف يتعلم الفرد أن يعبر عن حبه في هذا السياق
الاجتماعي؟
قصة أخرى، لها علاقة
بالموضوع هو فيلم سينمائي عنوانه: "البرتقالة المرة"،
ربما لن يعرفه إلا جيل من المغاربة، فكرة الفيلم أيضا كانت اكتشاف حدود الحب بين
الرجل و المرأة في مجتمع محافظ... و خلاصة القصة هي أن فتاة شابة وقعت في حب شرطي،
كانت دائما تراه و لكنها لا تستطيع أن تعبر له عن حبها... لأنها كانت خجولة و أيضا
كان شيئا غير متقبل في المجتمع أن تعبر الفتاة لحبها هكذا بشكل صريح و فيه جرأة...
و كانت نهاية القصة حزينة، لأن تردد الفتاة و أيضا عدم قدرتها على التعبير عن
عواطفها بشكل مباشر دفع بشخصيتها إلى التأزم، و في النهاية تراكمت الأزمات عليها
حتى صارت مريضة نفسية. لا أدري هل فهمت رسالة الفيلم أيضا؟ إنها رسالة قوية... في
حياة الأفراد، الحب موجود، ولكن مشكلته ليس في هل لدى الفرد لغة التعبير عنه، ولكن
المشكلة هي هل لدى الفرد القدرة على التعبير والحرية والاستقلالية للتعبير عنه حبه...
عن طريق هذه الملاحظات
الاجتماعية، يمكن أن أستخلص، على عكس البحث النظري والفلسفي الأولي، ان الحب بحد
ذاته لغة، هنالك من يتربى عليها ويتعلمها... وهنالك من يحمل بداخله لغة الحب، ولكنه
لم يتعلم أن يدركها أو يفك شيفرتها فيبقى حبيس ضغطه والنتيجة هي غالبا الاضطرابات
النفسية والعنف.
كلمات أخيرة
لا يمكن أن نصغر إشكالية الحب في لغته، الأهم في نظري، هو هل هنالك حب بالأساس أم لا، هل هنالك تربية على الحب أم لا... لأنه كيفما كانت الأحوال، وكيفما كانت الظروف الثقافية و الاجتماعية، الإنسان كائن محبه بطبعه، إذا تعلم كيف يكتشف طاقة الحب بداخله، فسيجد اللغة المناسبة له للتعبير عن الحب بداخله، و إن لم يتعلم فطبعا سيجد نفسه أمام سؤال: هل للحب لغة؟