إيدير، رويشة و حياة الأمازيغ البسطاء
كلمات أولى
ماذا تعرف عن الأمازيغ؟ أ سكان
المغرب الأصليين؟ أم سكان العالم الأصليين؟ ماذا تعرف عن لغة الأمازيغ؟ ثقافتهم؟ وفلسفتهم
في الحياة؟ ... حياتي، جزء كبير منها عشته
في أحضان أنطولوجيا الأمازيغ، ثقافةً، تربيةَ وفنا! ولطالما كان فضل
الإبداع الذي أقوم به كل يوم يعود إلى لحظات اسمع فيها موسيقى أمازيغية أو حينما
أطهي طبقا أمازيغيا تقليديا يذكرني بتاريخ اجدادي وباللحظات الجميلة التي عشتها في
أحضان أمي و أبي أيام الطفولة...لا أدري ما هو تعريفك للهوية، ولكن في هذا المقال
سأشارك معك هويتي، هوية الأمازيغ، وسنكتشف معا بعض من الأغاني والفنانين الذين
رسموا لوحة الانتماء الأمازيغي بكلماتهم، وأغانيهم التي تحمل الكثير من التفكير
الفلسفي حول حياة الإنسان المعصار.
قصة الأمازيغ
حينما أسأل أمي حول تاريخ الأمازيغ؟ تخبرني ببعض الروايات الشفوية التي
يمكن تلخيصها في أن قبائل الأمازيغ أقدم من مفهوم التاريخ بحد ذاته، يقال إن
الأمازيغ كانوا هنا، أي في أرض المغرب، قبل أن أي حضارة تعلمت أن تؤرخ لتاريخ
الإنسان والعالم... وحينما أذهب لأبحث في المراجع وأقرأ عن تاريخ الأمازيغ، أصل
دائما إلى نفس النتيجة، هنالك مخرجين لإشكالية التاريخ الأمازيغي، مخرج التأريخ
الديني ومخرج التأريخ الأركيولوجي...
رؤية عن كثب في هوية
الأمازيغ البسطاء
لطالما كنت ألاحظ تصرفات
ابي وبعضا من أفراد عائلتي الآخرين، خصوصا الكبار في العمر، كنت ألاحظ و أتساءل:
ما هو الأمر الذي يعبر عن فردانيتهم و الذي يعبر عن انتماءهم للثقافة الجمعية؟
في غالب الأحيان، ألاحظ بساطة يتصرف بها كل أمازيغي يعيش على سفح
جبال الأطلس أو في سهول جنوب المغرب الشرقي.
هوية الرعي و المشي الحر
لا يمكن أن أنسى لحظات
المشي على سفح الجبل بتاخوالت أنا و ابن خالي عبد الله، كل صباحا
كنا و نحن أطفال، نخرج لنرعي الأغنام و نلعب، و في نظري هذه ليست مجرد تجربة، ولكنها تعبير تام عن هوية
الأمازيغ التي تتركز على المشي و الارتحال من مكان لمكان، فقد كان معروفا عن
الأمازيغ القدماء حبهم للرعي، و أيضا المشي و اكتشاف الأماكن الجديدة و استغلال منابع
الماء و الأراضي للزرع و أيضا للقيام بأنشطتهم المختلفة.
هوية الخياطة و النسيج
كان اول ما لاحظت أمي
تقوم به وأنا طفل، الخياطة والنسيج، راقبت أمي و هي تقوم بتصميم الزرابي، ثم أذهب
معها لتشتري ألوان الخيوط و بعض المعدات الأخرى، لأعود معها إلى المنزل و أنا كلي
شغف لأرى عملية إعداد الزربية ثم نسجها...بعد أيام و أحيانا أسابيع، أرى الزربية في
حلتها النهائية، أستلقي عليها و ألعب تحت أنظار أمي كي لا أتلف شيءا فيها.
إن المرأة الأمازيغية
كانت تجيد منذ قدم الزمان كل أنواع الخياطة، النسيج والطرز. وأمي كانت شهادة
حية أمام أعيني لأرى ما معنى هذه الهوية، في تعليم الصبر، التركيز و
التريث... الأمر المعروف في قيم نساء الأمازيغ.
هوية الاحتفال
غير السنة الفلاحية، والأعياد
الدينية و المناسبات الاجتماعية كحفل الزواج و الخطوبة، كنت أشعر أن كل لحظة عند
أهالي الأمازيغ بسهولة يمكن ترجمتها إلى حفل، و لطالما أحببت هذه العقلية، حب
الضحك، الابتسام، و الرقص على أي شيء... خلال كل سنوات طفولتي الأولى أسمع أهازيج
أمي و جاراتها و هن يعملن على نسج زربية و أحيانا أمي لوحدها في فترة ما بعد الزوال، و هي تخيط لباسا تقليديا استعدادا لفصل الشتاء..و
بعيدا عن أجواء الحفل النسوي بالمنزل، كنا نحن الأطفال نلعب بفلسفة الاحتفال،
نلتقي و نصنع طبولا، نشكل دوائرا أو نجلس بجانب شجرة أو في ضفة النهر، و نغني
أغاني شعبية قديمة، أحيانا نغني أغاني مناسبات الأعراس...كان الاحتفال نشاطا
يوميا.
هوية البساطة و الكرم
في نظري أهم هوية و قلب
كل الهويات الأخرى في روح الأمازيغ البسطاء هي قدرتهم على احتواء الغرباء، لطالما
كان عندنا صيف في المنزل، و في الكثير من الحالات، ليس قريبا من العائلة، غريبا ما،
التقى به أبي أو طلب شخص قريب من العائلة عون ابي في استضافته و كرمه، أحيانا
لأيام أو أسابيع... إن هذه الخاصية الثقافية تفسر ليس فقط قيمة الكرم عند الأمازيغ
و لكن أيضا انفتاحهم الثقافي لتقديم المساعدة...و اليوم في أكتوبر من سنة 2023 و
أنا بعيد عن بلدتي التي لم أزرها لأشهر، أجد نفسي أتصرف بهذه الهوية، و رغم تمردي
على الكثير من القيم التي لا تلائم التفكير الفرداني المستقل و السليم، إلا أن
ثقافة البساطة و الكرم تستحوذ على من أنا و صراع كيف أن أعيش.
استراحة موسيقية
إيدير
مغني أمازيغي جزائري، عرف بإتقانه لآلة القيتار وإبداعه في إعادة إحياء
التراث الأمازيغي (القبايلي) بتلحين و غناء قصص الأجداد... قصتي مع هذا
الفنان جوهرية، فيمكن أن أؤكد أنني سمعت تقريبا لكل أغانيه، التي منحتني فرصة
للتعرف على تاريخ إقبايلن عن طريق الكلمات و اللحن... من أفضل أغانيه التي
لطالما أحببت أن أسمع وقت السفر أو حينما أكتب أو أبدع: أغنية" أسندو" و
" لماذا هذا المطر؟"
رويشة
هذا الفنان يتعدى كل شيء... كان يغني لأهاليه في خنيفرة وفجأة بدأ العالم
كله يحب أن يسمع لإبداعه الغنائي... عرف بإتقانه لآلة الوتار، التي سافر
بها العالم وغنى بالأمازيغية المحلية قصصا و مشاكلا و أحلاما اكتشف أهالي خنيفرة و
محبيه، أنها مشاكل و أحلام العالم أجمع... من أفضل الأغاني المعروفة لهذا الفنان:"
إيناس إيناس".. بيد أنني أعشق أكثر أعماله الأولى حينما كان لازال شابا...
سي محمد رويشة فنان لا يغني بالأمازيغية فقط، ولكنه يجيد التعبير عن كل لغات
العالم حينما يلعب على ألة الوتار، لطالما سمعت له، في كل الأوقات و في كل
الأماكن... بفضل رويشة تعلمت فن الصمت، فن الصبر و فن أن أرى العالم بشكل بسيط حيث
الجمال يتسع داخل روحي و يدفعني إلى الهدوء...
أحوزار
هذا الفنان، شعبي، أغانيه لمست كل مشاكل الشباب والعائلات في حاضرة الأمازيغ
حول جبال الأطلس بالمغرب، حينما أسمع لأغانيه أشعر برغبة في الرقص و أيضا طاقة
إيجابية تخرج من داخلي تدفعني أن لا أتوقف عما أحب أن أفعله... و الأمر يتعدى
الرغبة في الرقص، كلمات أحوزار و شعره، حينما تفهمه، ترتبط ذاتك بمبادئ العيش
بحكمة و بمودة... فقدرته على ترجمة هموم الأمازيغ البسطاء و مشاكلهم جعله يصبح قريبا من الأهالي، يسمعون
إليه حتى حينما يسافرون إلى أبعد مكان في كوكب الأرض.
كلمات أخيرة
لا أعتقد أن الطريقة التي كتبت بها مقالة اليوم يمكن أن تساعد في تشكيل رؤية واضحة لكيف يفكر الأمازيغ البسطاء وماهي هواجسهم الوجودية، لكنني، في كل الحالات، أؤمن أن الكتابة في التراث الثقافي، أمر مهم... ليس فقط على مستوى التعريف بالهوية و لكن أيضا يمكن اعتبارها رحلة لقراءة الذات اللا مقروءة بداخلي... تبقى لكل ثقافة في العالم خاصيتها و هوياتها المختلفة التي تشكل مفهوم الإنسان في محيطها، بيد أن تكون أمازيغيا، ليس مجرد هوية ثقافية، إنه نوع من تلخيص كل هويات العالم في هوية واحدة، أهذا بسبب قدم الإرث الثقافي الأمازيغي؟ أم بسبب مختلف الأزمات التي عاشها أجداد الأمازيغ؟ لا أدري...