الكآبة : لماذا لا يمكن أن نفكر بطريقة إيجابية في الحياة؟
مدخل
لا يوجد شيء أصعب من أن لا تستطيع أن ترى حياتك بطريقة إيجابية، و ليس
الأمر سهلا في الحقيقة، حتى حينما تقرأ عن الكأبة في مصادر علم النفس و حتى في
الكتابات الفلسفية...تكتشف أن أكبر حرب يعيشها كل إنسان في هذا العالم هي حرب أن
تكون إنسانا إيجابيا...ماهي الكأبة؟ هل هي تربية نفسية؟ وسيلة للتأقلم بطريقة
سهلة؟ الوجه الخفي لحقيقة الفرد؟ أم هي تعريف النظام الاقتصادي بكل صراحة و جرأة؟
هذا المقال مكتوب بطريقة سريعة، فاللحظة التي أكتب فيها حول موضوع الكآبة،
أواجه ذاتي و في الوقت ذاته أتذكر كل حالات أصدقائي و الغرباء الذين يعانون كل يوم
مع كآبتهم...الجميع مستنزف داخليا...لم يكن عندي الوقت لأكتب بطريقة هادئة و رزينة.
ولكن أكتب بطريقة أفجر فيها كل الأفكار التي لا يركز عليها البحث العلمي كثيرا و
أحيانا حتى الفلسفة، و هي الأفكار التي لا تريد أصلا أن تتم دراستها...تماما
كحكاية الميكروفيزياء... كل شيء متغير... و هكذا أرى الكآبة. كيان طبيعي داخل
كل إنسان...حينما تركز عليه، تتوسع الكآبة اكثر بداخلك... فالكآبة، الحديث عنها،
يحتاج إلى قدرة في الكتابة مختلفة، سأحاول أن أمارسها الآن..
حينما أكتئب...
سأستغل الفرصة لأعترف أن هنالك كآبة بداخلي أيضا، أعيش معها أغرب صراع نفسي.
خصوصا صراع الثقة بالذات و التمرد على التفكير العادي و السائد بداخلي... على أي،
حينما أكتئب، أفقد الصلة بكل قدراتي الإبداعية، أجلس على الأريكة أو استلقي على
السرير لأقوم بتدمير كل فكرة إيجابية بداخلي و أجد أفضل المبررات لأحكم على نفسي
بإعدام وجودي، أنني لا أصلح لأي شيء و أن كل ما أفعله ليس إلا ردة فعل لا
شعورية... و أن رحلة السعادة رحلة مستحيلة...حينما أكتئب... اشعر بأنني مسجون
بداخلي.. و أن ما أراه، كل ما أراه. يقلقني أكثر و يدفعني إلى عدم الثقة في أي
فكرة، شعور أو حماس إلى فعل شيء ما...هذه الحالة النفسية... أتمرد عليها في نهاية
اليوم، غالبا في أخر الليل أنهض لأتأمل السماء و أحرر نفسي من عبودية الكآبة.
الكآبة: عبودية نفسية ذاتية؟
في نظري، هذا السؤال هو أهم سؤال حينما يتعلق الأمر بالكآبة...فما الغاية
من حالة نفسية كهذه؟ براغماتيا؟ هي لا تنفع لا الفرد و لا محيطه؟ يدفعني الأمر أن
أعتبر الكآبة كسلاح ذاتي داخل كل فرد الغاية منه هو التدمير الذاتي لملكة الحياة
بداخل الإنسان... كأنها قفص إن حجزت نفسك بداخله سيكون صعبا جدا الخروج منه...
أحيانا أتخايل أن العقل و نظامه الوظيفي يتمتع أكثر في التفكير الذي مصدره
الكأبة...مما يدفعني إلى التساؤل: أليس ممكنا جدا أن تكون الكآبة هي عبودية
الإنسان الحقيقية؟ و إن كان الآمر كذلك فكيف يمكن التحرر منها؟
التحرر من الكآبة؟
لا يمكن التحرر من الكآبة، في نظري، أمام الكآبة هنالك موقف و قرار واحد، الرحيل عنها، لتموت لوحدها، لأنها متجذرة في الشخصية، يمكن أن أقول أنها أحيانا تصل إلى درجة الهوية حيث تؤثر في أفكار الشخص و خياراته في الحياة...لذلك الرحيل هو الحل و ليس المواجهة من أجل التحرر...
لماذا أرى الأمر هكذا؟ لا أريد أن أبني
الجواب فقط على تجربتي الشخصية مع الكآبة و لكن جوابي سيكون أفضل في بناءه
الموضوعي، خصوصا مع تحليل حالات مختلفة... فلنركز في البداية على كيف يتعلم
الطفل تفكير الكآبة... إنها تأتي بعد تجارب اللاهتمام، عدم الاستماع للشخص و أحيانا عدم تقديره،
إلخ... فالطفل كلما تعلم أنه مهم و ما يفعل له تأثير حول محيطه، تمثله يكون أكثر إيجابيا
فيه مبادرة و نوع من نشر طاقة اجتماعية فيها تحفيز حركة و تغيير، و هذا هو الأمر
الذي لا يوجد في هوية الكآبة، أي أن الفرد خصوصا في طفولته، إن مر من أزمات دفعته
إلى عدم الثقة في نفسه و تقييم أفكاره الداخلية حول نفسه، الأمور تتعقد بطريقة
يصبح فيها الفرد قادرا على تدمير ذاته في هدوء...لذلك أمام هذا المأزق الوجودي
المعقد، أن يحب الفرد تدمير نفسه في هدوء، لا يمكن أن تنجح فكرة التحرر و لكن فكرة
الرحيل و الهجرة، التي سأتجرأ و أسميها: الهجرة النفسية الداخلية... يمكن أن تنجح.
ولكن كيف؟
هنالك أجوبة كثيرة، أهمها نظرية تغيير العادات وكلاسيكيا هنالك فكرة
السفر... فتغيير النشاط أو تغيير بيئة النشاط دائما ما تكون أفضل طريقة للتحرر من
الكأبة عن طريق الرحيل...لأن كل شيء هو شكل نفسي، والشكل النفسي يحتاج إلى تفاصيل
ليقوم.. المكان، الوقت، الممتلكات، الأصدقاء، العمل، إلخ... وأجد في هذه الأجوبة فلسفة تنفع الفرد لمواجهة
كآبته، ثم رسم طريق الرحيل...أجد فيها أيضا حكمة مهمة وهي أن الهوية يمكن تغييرها،
ولكن لابد من الشجاعة.. وفي مستنقع الكآبة، الفرد تكون لديه شجاعة كبيرة ولكن
سلبية أي شجاعة الانتحار... و هذه الطاقة السلبية في نظري، بفلسفة الرحيل النفسي،
يمكن للفرد أن يتحول و يبني هوية جديدة مستدامة...
مسؤولية الإنسان على نفسه
هل كان تحليل التحرر من الكآبة مفيدا لك؟ في كل الحالات، يجب أن نتذكر أنه
في كل الحالات، كل فرد لديه مسؤولية على نفسه، و في هذا، يمكن أن نكمل تحليلنا حول
الكآبة، فإذا كان الفرد يقع في مستنقع الكآبة بسبب الأزمات النفسية و التجارب
الصعبة، فإنه أيضا مصمم بطريقة أو بأخرى ليعيش هذا، أي أن ليس هنالك عالم ما فيه
الإنسان سيعيش بلا عاطفة سلبية... فالإنسان في كل حالات وجوده يعيش بين تناقض
الخير و الشر، و ما إلى ذلك من الثنائيات أهمها: الكآبة و النشاط إن صح التعبير...
هنالك مسؤولية على الإنسان، أن يعرف فن تدبير نفسه... فن الرحيل من مختلف الأوطان
النفسية بداخله...سعيا عن ذات إنسانية تعرف كل تفاصيلها في بعد الضعف و في بعد القوة أيضا...يمكن أن أرجع إلى نيتشه في هذه اللحظة الذي ربما قد بسط فكرة المسؤولية
هذه.. في تحويل المعاناة إلى قوة ... أو إلى كانط الذي رسم ضميرا أخلاقيا يمكن أن
يجد فيه كل إنسان في هذا العالم معنى المسؤولية حول الذات قبل الآخرين...في كل
الحالات كانت الكآبة أو لم تكن، هنالك مسؤولية...
كلمات أخيرة
كتبت هذا المقال بحثا عن مخرج من متاهة الكآبة. بدأت أرى سرابا جديدا. فكالعادة، كلما كتبت في موضوع ما... الكثير من الأسئلة تظهر لي في النهاية... وهذه اللحظة، السؤال الذي يتبادر إلى ذهني: كيف يمكن للموسيقى أن تعالج الكآبة؟