من يحبك حقا سيفعل المستحيل ليكون بجانبك، و أنت هل ستفعل المستحيل؟

إن مقالة اليوم أكتبها بروح المراهقين، لا بروح الكبار، الذين في غالب الظن قرروا في حياتهم ما هو الممكن و ما هو المستحيل... إن أكبر موضوع يرهقني الكتابة فيه ليس التصميم البيداغوجي و علم التربية و لكنه الحب هذه الطاقة الجبارة بداخلنا، التي تحيينا و تمنحنا الألم أو تميتنا و تخلق بداخلنا كل أسباب الاستسلام و الاتكاء على جدار العدمية.

اليوم، أريد أن أعبر عما بداخلي، و أشارك معكم ما حقا أشعر به، و ما يحفزني لهذه الحياة و ما يدفعني إلى الكتابة كل يوم... إنه الحب.

الحب: رسائل من الخلود

القدرة على الحب امتياز بشري، نحن الكائنات البشرية عندنا قدرة عميقة للتعامل مع المشاعر و العواطف، نشعر بكل التفاصيل، بالخوف، بالمتعة، بالإخلاص، بالثقة و بالأمان. و خلال سنواتنا الأولى من هذه الحياة، نتلقى من عائلتنا كل مبادئ الحب، أحيانا هذه المبادئ تكون ضد أو في اتجاه معاكس لقيمة الحب و أحيانا تتناغم معها و تدفع بأرواحنا إلى مستويات نصبح فيها قريبين من خلود الحب و أرواحنا.

إن الحب رسالة من الخلود، لا ندري من أرسلها لنا، ربما الكون في حد ذاته حامل هذه الرسالة... و الغريب في الأمر أنه من الصعب أن تشعر بالسلام إذا لم تكن في روحك تسري المحبة... يذكرني هذا الأمر ببعض من نصوص جبران خليل جبران، حينما تحدث عن قشور المحبة و عن كيف الحبيبين يعيشان صراعا و الواقع من أجل عاطفة لا يمكن فهم أسرارها بسهولة.

في هذا الصدد، يمكن أن تكون أنت في هذه اللحظة متسائلا: الحب ؟ ماذا تقصد علاقة بين شخصين؟ حب الذات؟ أم حب الله؟ أم ماذا بالضبط؟

صراحة أريد أن أقارب مقالة اليوم بموضوع الحب بين شخصين، بيد أن الأمر في كل الحالات يتجه إلى نفس النقطة، فالحب واحد... حتى و لو تحدثنا عن الحب بين شخصين، مثلا إمرأة و رجل... فالحب بينهما يتصل بكل الأبعاد و خصوصا تجارب كل واحد منهما و الحب بطريقة فردانية... فالحب لا يبدأ في علاقة...الحب يبدأ و لا ينتهي... من أول لحظة أدرك فيها الإنسان وجوده، كان الحب.

من يحبك و من لا يحبك

من الصعب أن نفرق في حياتنا بين أشخاص يحبوننا و أشخاص لا يحبوننا... فالإنسان بطبعي كائن مزاجي...يمكن أن تحب و تكره شخصا في اللحظة نفسها.... العقلانية في تدبير علاقتنا الاجتماعية و خصوصا علاقاتنا الحميمية... تتعدى حدود تمثلاتنا و تجاربنا... الواقع البشري نوعا ما معقد... و هنالك تحديات نفسية و اجتماعية أمام هذه الإشكالية: من يحبنا حقا و من لا يحبنا.

فإذا أخذنا مثلا علاقتنا بعائلاتنا، فحتما هنالك حب... و لكن في الوقت نفسه هنالك مشاعر سلبية، أحيانا رفض لواقع العائلة الذي لا يتماشى من رؤيتنا الفردية للحياة... و أحيانا تمرد على قواعد لا تعبر عن حرياتنا كأفراد مستقلين عن عائلاتنا...

و إذا أخذنا مثالا أخر، كعلاقة بين إمرأة رجل... فالحب هنا أمر معقد جدا.. يمكن أن تكون هذه العلاقة مبنية على دوافع مصلحة متبادلة و أحيانا يمكن أن تكون العلاقة نفسها مبنية على روح من الحب لا يمكن أن تقهر...فحتى لو مات شخص من بينهما، سيبقى الآخر محبا له حتى آخر حياته.

هنالك وفاء. صدق، ثقة و إيمان في الحب... و بصراحة أجد نفسي في هذه الفلسفة أو هذا النمط من الحب.... لا يمكن أن أعيش... بمصلحة متبادلة في الحب...إذا أحببت فقد حقا أحببت.

و بهذا التحليل، لا يمكن أن نحكم بسهولة عن من يحبنا و من لا يحبنا... الحياة غريبة و خصوصا تجاربنا و الحياة... نحكم أحكاما و بعد وقت نكتشف كم أحكامنا كانت بعيدة عن ما للتو نكتشفه، في ظرافة روح حبيبنا أو في كم كانت روح عائلتنا بريئة و كل ما فعلت كان نابعا عن حب و خوف لا مشروط لحياتنا و سعادتنا.

الحب: سعادة أم يأس أبدي؟

الحب سعادة هذا أمر لا نقاش فيه...بيد أن تجارب الإنسان المعاصر في عالم يتجه أكثر إلى العقلانية الاقتصادية في كل شيء... يمكن للحب أن يصبح يأسا أبديا في روح شاب يحب فتاة أو فتاة وقعت في غرام شاب...

إن نصيحتي في هذا الموضوع قاسية نوعا ما و لكن بناء على تجربتي تبقى هذه النصيحة رسالة من الجيد التأمل فيها، و هي كالآتي:

إن وقع وأحببت، تسائل: لماذا أنت تحب هذا الشخص؟ و حاول أن تقبل تلك الرحلة بداخلك،، تلك الثرثرثة الكثيرة و حوار الإيغو حول هذا الشخص... حاول فيما بعد أن تحلل كل هذا القيل و القال بداخلك حول الشخص الذي تحبه... و حتما ستخرج في نهاية المطاف ببعض النتائج التي ستحدد كيف و ما هي القرارات التي ستأخذها من أجل سلام علاقتك بحبيبك أو بحبيبتك.

الحب فيه أخطاء، و من أجل الحب لابد من الأخطاء، هذا أيضا أمر يجب أن تأخذه بعين الاعتبار، ففي الغالب، الناس تنتظر من الحب الكمال... ولكن العكس هو الصحيح، لا وجود للحب حينما يكون الهدف هو الكمال... الحب هو تعلم من الأخطاء و هو أيضا إرادة و ليس استهلاكا للحظة فقط، إرادة أن تبقى محبا لحبيبك في كل الظروف.

سأبقى أحبك تحت كل الظروف

أحب هذا الشعار، لأنه يمنحني الشعور بالتحدي و عدم الاستسلام بل أيضا يغذيني بإرادة الحب نفسها.... و أحب أن أبقى أحب كل ما أحب تحت كل الظروف...قيتارتي، كتبي، دفاتري، أعمالي، أفكاري، حبيبتي البعيدة عني، عائلتي و الحياة... أحب أن أتحدى الظروف، لا أن أتحدى الحب.

كلمات أخيرة

من أي صنف أنت؟ الأفراد الذين قسى عليهم الحب في الحياة؟ أم الأفراد الذين استفادو من مصلحة الحب؟ و قسوا على أشخاص آخرين؟

#حكيم


تعليقات

أكثر التدوينات قراءة

مفهوم الجسد عند ديكارت

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة العاشرة و الأخيرة ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ السفسطائيون)

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة الثامنة ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ أناكساغوراس)

كانط في المستقبل و نصوص أخرى

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة الثانية ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ فلاسفة الطبيعة)

ينمو التفكير في عقل الإنسان ( المقالة الأولى " نحوَ فلاسفة ما قبل سقراط")