البحث العلمي والطلبة: الخوف من البلاجيا أم الجرأة على الإبداع؟

 

أحيانا أتسائل: كيف يمكن للطالب أن يكتب ورقة علمية جيدة؟ هل الأستاذ هو الذي يحدد الفرق بين الورقة العلمية الجيدة أم الطالب؟ أم من بالذات؟ أتذكر أيام دراستي في الجامعة، كنت أسمع قصص بعض الطلبة الذين فعلوا المستحيل ودائما أوراقهم العلمية وبحوثهم تعاد إليهم من طرف أساتذتهم: كل هذا منقول.

فيبقى الطالب يصحح ويعيد الصياغة ويغير الكلمات، لعل وعسى تصبح ورقته ملائمة و تتوافق مع العناصر التي ينبني عليها تقييم الأستاذ، و بالمناسبة كيف يصحح الأستاذ ورقة علمية؟ على ماذا ينبني نهجه؟ و كيف يمكن أن يكتب الطلبة أوراقا علمية خصوصا في مجال العلوم الإنسانية بطريقة فيها كفاءة، ثقة بالنفس و أيضا إبداع؟

بداية، ماذا نقصد بالبحث العلمي؟

لا أريد أن أبدو فاهما في الأمر أكثر من اللازم، ولكنني مررت بالتجربة وأعرف معنى البحث العلمي خصوصا في العلوم الإنسانية، هنالك مشكلة بحث، لاحظها الطالب في مجال دراسته أو بطريقة سهلة الأستاذ يقوم بتقديم بعض مشاكل البحث للطالب لكي يقوم ببحثه فيها. والسؤال كيف يتم البحث؟ الأمر بسيط هنالك منهجية بحث علمي، العالم جله يتفق عليها.

نبدأ بتحديد موضوع البحث ومشكلته، أهدافه، وإن كنا في موضوع بحث يهدف التجريب فنحن نعمل بأطروحات و إن كان البحث يهدف الاكتشاف فنحن نعمل بأهداف بحث يمكن تحقيقها و التأكد من أننا وصلنا إليها.

ومن جهة أخرى هنالك الشق النظري، الذي يبقى موضع جدال، ولكنه مهم خصوصا في بحوث الإجازة والماستر، فلابد على الطالب أن يقرأ الدراسات السابقة ثم يحللها ليخرج منها بعض النتائج التي ربما ستساعده في تحرير بحثه.

على أي هنالك طرق مختلفة في كيف يمكن أن نكتب بحثا علميا، ولكن أتسائل: هل هنالك طريقة ربما تنبني على الأبداع والابتكار أكثر من تقليد الطرق القديمة؟ و ما هو الهدف الحقيقي من البحث العلمي في العلوم الإنسانية؟ أن نفهم الإنسان؟ أم أن نقدس الطرق العلمية الكلاسيكية؟ و في ظل الذكاء الاصطناعي؟ أين تكمن قيمة احترام القواعد؟ ألسنا اليوم أمام ثورة ربما تدمر كل ما كنا نراه قاعدة في التحليل و التقييم؟

هل يمكن أن نتحدث عن إبداع في البحث العلمي؟

لا اعتقد ذلك، العالم يتفق على أن البحث العلمي يجب أن يكون مضبوطا، لا زيادة و لا نقصان، ولكن في نظري هنالك إبداع في البحث العلمي ليس على مستوى الكتابة أو التحرير، ولكن على مستوى التحليل و الدراسة، في اختيار المواضيع و طريقة الإجابة على الأسئلة خصوصا في مجال العلوم الإنسانية.

في نظري، البحث العلمي هو مشكلة يعيشها الطالب قبل كل شيء، ولديه كل الحرية في أن يعالج موضوع بحثه بالطريقة التي يريد بشرط أن تكون متوافقة مع التفكير العلمي في البحث، و هنا المفارقة، كيف يمكن أن نحدد مبادئ التفكير العلمي في البحث العلمي نفسه؟ لأنني و بعد كل هذه السنوات من القراءة و التصفح للبحوث العلمية، أجد أن التفكير العلمي ذاته، وليد للإبداع، يمكن أن نأخذ البنائية مثلا كدليل قاطع لأنها تقوم على حقيقة أننا نكتشف الواقع لنغير طريقة تفكيرنا أمام الواقع، فسيكون إذن صعبا و ربما مستحيلا أن نفرض على الإبداع في البحث العلمي شروط التفكير العلمي...إنه موضوع فيه جدال...لا أدري... ولكن أعتقد أن البحث العلمي هو نتيجة التفكير الإبداعي و ليس العكس.

هل الطالب باحث علمي أم يصبح كذلك؟

هذا أيضا سؤال جوهري، لأنني أحيانا أشعر بأن الجامعة تفرض على الطلبة أن يكونوا جيدين في البحث بطريقة ليست مفهومة جيدا، أعتقد أيضا أن كل الطلبة يستفيدون من دروس نظرية في البحث العلمي و مبادئه، و تكون أول تجربة لهم هي بحث نهاية التخرج، و هذا نوعا ما تقصير في حق الطلبة...رغم أن الطلبة في نظري، لابد لهم من العصامية أكثر من الاتكالية على مساعدة الأساتذة في بناء البحث، فالأستاذ يبقى في نظري، مجرد مرافق و ليس رفيقا في البحث... و أحيانا تحدث أمور غريبة، فحينما يحدث أن يكون الطالب جيدا بطبيعة عمله العصامي و الفردي و عدم الاتكالية المبالغ فيها على الأستاذ، ، يتم بطريقة أو بأخرى الشك فيه بعقيدة: أن الطالب يبقى دائما في حاجة إلى الأخطاء و لو كان جيدا، هنالك نوع من عدم الثقة أو توترها بين الطالب و استاذه و هذا الأمر في نظري يحتاج إلى إعادة تفكير و تحليل للدوافع النفسي خلف البحوث العلمية في الجامعة خصوصا في مجال العلوم الإنسانية.

إذن هل الطالب باحث علمي أم يصبح كذلك؟ أرى أنهما معا صحيحين، أن تكون طالبا في حد ذاته يعني أنك باحث علمي وأيضا يعني أنك تحتاج أن تطور قدراتك أكثر بأن تقوم ببحوث كثيرة ومختلفة لكي تجيد فن كتابة البحوث العلمية.

أفكار ربما تلهم الطلبة والأساتذة

في نظري أهم مسؤولية تعود للطلبة، فلابد للطالب خلال دراسته أن يمنح أكثر من 60 في المئة من وقته لقراءة البحوث العلمية السابقة و هذا قبل أن يتحدث مع الأستاذ حول بحثه، أتذكر في دراستي للماستر كنت أعددت 10 مواضيع للبحث خلال سنة الدراسة و حينما أخذتها للأستاذ وقت الإعداد لبحث نهاية الماستر اندهش و أخبرني كيف فعلت هذا أخبرته أنني طيلة السنة كنت أستعد لهذه اللحظة و الحقيقة أن الموضوع الذي أعددت له كل شيء أكثر هو الموضوع العاشر  و الذي كان تأثير أنشطة التنمية الذاتية في مجال العالم على كفاءات العمال... إن الاستعداد أمر مهم.

ومن جهة الأساتذة، لابد في نظري ألا تكون هنالك فلسفة المعاقبة أو التعجيز علما أنه أغلب الطلبة يأتون للجامعة في ظروف مختلفة، والأساتذة أحيانا يقوموم بتعقيد الأمور أكثر على الطلبة،  فيبقون سنوات أمام موضوع بحثهم الذي يبدو لهم مستحيلا أن يتم إكماله...لابد من التعاطف والمساعدة... و أهم شيء أن يكون الأستاذ ذا عواطف إيجابية... ففي آخر المطاف الجامعة فضاء تعلم... و النجاح في تعريف ينبني على الأخطاء في اتجاه الحل و لكن ليس على العقوبات في اتجاه جدار الإعجاز.

كلمات أخيرة

هذه مقالة كتبتها لأنني أهتم لموضوع البحث العلمي...كنت طالبا وربما أنت أيضا وتقرأ لي قد عشت تجربة ما حينما كنت طالبا... أرجو أن يكون هذا المقال نوعا ما نافذة لفتح التفكير بيننا حول كيف يمكن أن نعد طلبتنا وندفع بهم إلى مستوى أكثر إيجابية حيث يشعرون بالتوازن وأيضا يتحفزون للقيام بالمجهود...خصوصا أننا نعرف أنه لا يمكن أن نتعلم حينما نشعر بالخوف.