لماذا يصعب التحرر من الرغبات؟

حينما نرغب شيئا، كأننا نشعر بأن بدونه لا يمكن أن نكون بخير، نبقى متوترين والبال لا يرتاح حتى نحققه، و حين نفعل، نشعر بأن الرغبة قد أشبعت و العقل يتساءل: ماذا بعد؟ و هنا توجد الحكمة وراء الرغبة، أنها وهم... أكذوبة... و الأساسي في نظري ليس العمل على تحقيق الرغبات و لكن التحرر منها في مرة.

ما المغزى من متعة الجنس؟ ما المغزى من متعة ركوب سيارة؟ وما المغزى من تدخين لفافة حشيش أو ... لا أدري ما هي الرغبات التي أنت الآن تفكر في تحقيقها؟

إن تعريف الرغبة يحمل الكثير من التناقضات، و بعيدا عن الفكر الفلسفي أو التحليل النفسي للرغبة، يمكن أن نأخذ خبرة كل فرد سائد و عادي في الحياة كمرجع و نقدم تعريفا عاما للرغبة و لكين تعريفا مستفزا لنا جميعا، إن الرغبة هي حينما لا يجد الإيغو داخلنا بما يشغلنا ثم يجعلنا نتخايل أمورا رائعا ليست بين أيدينا الآن... ثم يدفع بنا إلى تحقيقها بطريقة أحيانا تتعدى الحدود العقلانية إلى ما لانهاية من المحاولات المبنية أساسا على الغريزة و العاطفة.

والأمر غريب حقا، لطالما اندهشت ولا زلت أندهش من نفسي قبل الآخرين، لطالما دخلت في حوارات داخلية و ذاتي، أحيانا أشعر بأنني في رغبة ملحة لشيء ما، فأمنحه الأولوية و أجري في سراب اليوم بحثا عن تحقيقه، و حينما أفعل، أشعر بأنني خدعت نفسي، أو لأكون صريحا، أشعر كأنني لا شيء سوى تفاعل بين الحاجة بداخل الطفل المدلل بداخلي و الواقع المثير الذي يحب أن يدفع بنا إلى التركيز على مثيراته، لا غير.

إننا كائنات هشة الفكر والروح و لا بد أن نعترف بهذا الأمر... إننا نحتاج إلى الحماية و الاعتراف أكثر من شيء آخر... كل ما نفعله في وجودنا بكل حضاراتنا، في نظري يبقى انعكاسا لرغباتنا... و هذا أمر مقلق نوعا ما. ربما سأشيد في هذه النقطة بفلسفة نيتشه و التي ربما تفيد في هذا المعنى، البحث عن القوة وأن يتعدى الإنسان نفسه...لأنه بصراحة أرى أن الكينونة الإنسانية تحمل الكثير من التناقض على مستوى نفسي، ثقافي، اجتماعي، اقتصادي، انطولوجي، و ربما أيضا ميتافيزيقي.... و حينما يركز الإنسان على الإنسان بداخله، كأنه يسقط في مستنقع لا مخرج منه إلا بالتحقيق المستمر للرغبات... و هل العالم يكون حقا معبرا عن فكرة الحياة؟ إذا كانت كل عناصر الحياة تبحث فقط عن تحقيق الرغبة...؟

فنتأمل وردة للتو تفتحت

... لها أيام معدودة خلال فصل الربيع قبل أن ترمي كل رحيقها وتتكمش لتموت، أو بعبارة أصح، لتعود إلى الأرض و تنتظر وقت التفتح من جديد...فالوردة لا تتحرك من مكانها لتبحث عن مكان آخر لتغرس نفسها فيه... و الوردة لا تغير شكلها في كل مرة و على مزاجها...بعبارة بسيطة، ليس هنالك صراع في روح الوردة...هل تؤمن بأن للورود روح تشبه روح الإنسان؟ على أي، أعتقد بأن جوهر الوجود الإنساني يقوم على هذا الصراع بين الحاجة إلى الاعتراف من الكون و الطبيعة و أيضا الرغبة ليس فقط في تحقيق الرغبة و لكن الرغبة في الرغبة أو الإبداع اللامتناهي في ثقافة الرغبة عند الإنسان...ويمكن أن نرى هذا الأمر في كيف تحقق كل ثقافة من ثقافات العالم رغباتها...في الطهي و المطبخ إلى حفلات الأعراس إلى مختلف المناسبات التي يكتسي فيها مفهوم الرغبة اجتماعيا روح كل الأفراد حتى حينما يقومون بتحقيق رغبات فلنسميها رغبات لا تستدعي وجود إلا الفرد نفسه.... هنالك دائما حضور لهذا الصراع بين ما هو جيد و ليس هو جيد، بين هل هذا حقا ممتع أو ممتع قليلا فقط؟ هنالك بحث دائم عن الكمال في رحلة البحث عن الرغبة عند الإنسان...

وبهذا تكون الرغبة، مجرد خدعة كما سبق أن ذكرت... إنها التحدي أمام أن يصبح الإنسان بطلا بلغة نيتشه... و ربما التربية و كل مختلف الفاعلين فيها يقومون على العكس، أي التربية على الرغبة أكثر من التربية على عدم الرغبة.

وهذا في نظري أمر جيد وليس جيد في الوقت نفسه، فلا يمكن أن نمارس أي ضغط على أي إنسان، و سيكون صعب أن نرى تربية على عدم الرغبة... تخايل المجتمعات مثل البوذية أو تعاليم الصوفية التي ترمي إلى تعلم اللامتعة كمتعة روحانية أبدية...في ظل الفكر اليومي و صراع البقاء و في عصر التوتر، سيكون من الصعب أن نختار الرغبة كشعار للحياة...ولكن هنالك بين الطريقين مخرج ربما في نظري سيجيب على حاجيات الكون داخل الإنسان و رغبات الإنسان داخل الكون... لا أدري تبدو عبارة فضفاضة ولكن...هنالك دائما مخرج لنجد السلام بين ما نرغب و ما يجب حقا أن نفعل بحرية عن الرغبات...كالتعلم.

كلمات أخيرة

مهما أولت هذه المقالة، و كيفما كان طبيعة ما تعملته أو أثار فضولك و أنت تقرأها...تذكر دائما أن هنالك بعض المتع لا يمكن الوصول إليها إلا بعدما تكسر حدود رغباتك... أخبرني... هل تشعر برغبة ما لتقرأ المزيد من نصوصي؟