نور الحكمة: ما بعد حدود سراب الحقيقة _مسرحية قصيرة

 

النص المسرحي،  يُظهِر شخصية تجسد بيثاغوراس و التي تتمنى أن تؤسس أكاديمية مخصصة لتعليم ثلاث مبادئ تقوم على فلسفة: نور الحكمة.

المشهد الأول: بداية خيالية قليلا  

(لا شيء في الخلفية، مجرد أضواء، كان جالسا على الخشبة، كانه يتأمل أو يبكي، بدت على ملامحه الحاجة إلى التحدث، نهض، تمشى إلى حافة الخشبة،قام بتقريب الميكروفون إليه و بدأ يتحدث و يتمشى في آن...)

الأفكار تبدأ دائما من الخيال، والخيال وطن للعقول المبدعة و الحرة...أتحدث اليوم عن حلم يكبر بداخلي، أريد أن أشاركه معكم، لعله يكون سبيلا لإلهامكم، أو ربما أن يحفز فضولكم بأفكار.... أرمي كل شيء ورائي، قلبي ينبض بشدة، أشعر بالتوتر، أخاف أن أكون على أرض الوهم أجري بسرعة نحو سراب الحقيقة.... إن فلسفة نور الحكمة يمكن أن تكون في جوهرها تعبيرا ثانيا لما قلت قبل قليل، أو بتعبير أفضل، إنها أكاديمية حيث المعرفة تجري إلى سراب الحقيقة....إن سراب الحقيقة تعبير مزاجي، ربما لا معنى له خارج سياق النص أو الخطاب الذي يحمله، فماذا أريد أن أقصد بسراب الحقيقة و حديثي عن فلسفة نور الحكمة؟

(أعاد مكبر الصوت إلى مكانه، و اتجه إلى مركز الخشبة و بدأ يصرخ..)

أحب أن ألعب دور فيتاغورس،  و أحلم بأن تكون عندي أكاديمية..

(كررها لأكثر من مرة، ثم أعاد إليه الميكروفون وبدأ يتحدث بهدوء)

الحقيقة أنني أحلم بالأمر و أريد أن أقوم في البناء البيداغوجي لهذه الأكاديمية على أفكار ابتكارية و أمنح الأطفال و الشباب فيها، فرصة لتجريب شيء جديد، فلأسميه : تجريب  عمليات توسيع أفاق سراب الحقيقة في تجارب التعلم.

(موسيقى... أسدل الستار)

المشهد الثاني : مبادئ نور الحكمة

(افتتح الستار، المشهد مختلف، إنه يلبس زيا يعود إلى التراث اليوناني، كأنه حقا فيتاغورس، على مركر الخشبة، ولكن هذه المرة يجلس جلسة الحكماء، كجلسة سدغورو حينما ينير فكر الشباب.. الميكروفون معلق على أذنيه، يبدو أنه مرتاح و لا يحتاج إلى أن يبذل جهدا لكي يُسمع صوته، بعد هنيهات من الصمت بدأ المحاضرة...المحاضرة في ثلاثة مبادئ، المشخص يتحدث مباشرة حتى انتهاء المشهد...)

كيف  لأكاديمية نور الحكمة  أن تجيب على أصعب الأسئلة في التربية و التعلم،خصوصا اليوم؟ إن التعلم هو مبدأ واضح، في البداية هنالك عدم استقرار معرفي، الشخص يحمل الكثير من الأسئلة و أمام وضعيات مختلفة، يشعر بأنه لا يعرف كيف يحل المشكل بطريقة جيدة، كأنه يرى الحل هنالك بعيدا كسراب حقيقة، لكن الوصول إليه لا يقوم على الجري نحوه بل على تكسير تمثل هذا السراب و محاولة التعلم مما هو موجود، ممكن و قريب... و هنا بلغة بياجي يبدأ الفرد في عملية الاستيعاب لكي يتحقق الأستقرار المعرفي فيما بعد.. أي و الفرد يعمل في مشكلات، بدل أن يشعر بأنه يرى الحل لكنه لا يعرف طريق الوصول إليه، يحل المشكل القريب له، الصغير بالصغير، حتى  يرى أفاقا أخرى للمعرفة التي يبنيها خطوة بخطوة، و في هذا المعنى، مزاجية سراب الحقيقة تبقى أبدية في عملية التعلم....بناء على هذا التحليل، فلسفة نور الحكمة تهدف إلى منح المتعلمين النور الذي يحتاجون إليه لتوسيع ظلام هذه الحقيقة الساربة.

مبدأ نور الحب

لا يمكن أن نشرق كالشمس، ولكن بالمعرفة يمكن أن نشرق بالحب، في نظري، هنالك معرفة لا يمكن تعلمها إلا بالصدق و السلام الداخلي، و هي معرفة الحب، أو لنسميه نور الحب.

كيف يمكن أن نتعلم نور الحب؟ في فلسفة نور الحكمة، أؤمن بأن الطفل كل ما يحتاج إليه هو الابتسامة، القليل من التواصل المنهجي و المرافق لاسئلة الطفل، و الباقي، على مسؤولية الطفل و استقلاليته الفكرية... إنني أتخيل المعلم في فلسفة نور الحب، لا يقوم بأي مجهود جسدي، ولكن يقوم بمجهود عاطفي إن صح التعبير....هل يبدو الأمر قريبا إلى الخيال؟ غير مفهوم؟ لا يهم الأمر كثيرا، فهذا هو سراب الحقيقة الذي يجري في كل موضوع بحث أو تعلم يتعلق بحياتنا جميعا.

فلنقم بإعادة شرح مبدأ نور الحب:

الطفل يأتي إلى الأكاديمية مليئا بحب عائلته، و حبه لذاته، و حبه لكوكب الأرض، لديه الكثير من الأسئلة التي يحب أن يجيب عنها، إرادته التي تشرق وراء كل أسئلته هي إرادة الحب، فلأن الطفل يحب نفسه، و يحب عائلته، يحب العالم من حوله، قلبه يمتلأ بعاطفة تدفع به إلى أن يكون أفضل، يتعلم أكثر و يحاول أن يكون في مواجهة كل نوع من أنواع الجهل و عدم المعرفة، المعلم في كل هذا السياق، هو مرشد عاطفي، يمنح الثقة، يساعد وقت الضعف، و يصحح الأخطاء بطريقة نورانية... روحانية إن أردت أن أكون أكثر جرأة.

إن مبدأ نور الحب، هو مبدأ أساسي في فلسفة نور الحكمة، لايمكن للطفل أن يتعلم ذاته و الآخرين ثم مختلف المعارف و الكفاءات الحياتية إلا بالحب، في غياب مبدأ الحب، يمكن أن يكون هنالك تعلم و لكنه سيبقى تعلما غير كامل في نظري.

مبدأ نور السلام

لماذا نتعلم؟ لماذا نقوم بكل هذا المجهود المعرفي و التقني و أحيانا الجسدي؟ إن عدنا قليلا إلى الوراء، سنجد أن أجدادنا تعلموا لأنهم كانوا مضطرين للتعلم، كانت هنالك مخاوف و أيضا أخطار... فكان البحث الدائم عن السلام هو الدافع إلى التعلم، أحيانا كان أجدادنا يتعلمون كيف يفوزون على العدو من أجل ضمان السلام أكثر من تدمير العدو... فمفارقة الحرب و السلام، الخوف و الآمان...كانت وراء ثقافة التعلم في الحضارة البشرية.

و بهذا، أرى أن السلام مبدأ في فلسفة نور الحكمة، لا يمكن أن يتعلم الطفل فقط بنور الحب، و لكن أيضا بنور السلام، و بدون روح السلام هذه، يصعب على الطفل الصغير أن يكبر في جو يتجه إلى الشمولية في التعلم.

بعبارة آخرى، المعلم في هذه الفلسفة، يحاول ما أمكن أن يعيد صياغة كل سياق التعلم، بمبدأ أن الهدف هو ضمان السلام و أيضا ابتكار طرق جديدة للتعامل مع العالم المحيط، كيفما كان ميدان أو مجال التعلم، حتى و لو كان الشعر و الأدب، فمبدأ السلام يؤثر على أداء الشاعر تماما كما يؤثر مبدأ السلام ذاته على تقنيات العالم و المخترع أو الطبيب أو الفلاح.

مبدأ المخاطرة و المبادرة

المخاطرة و المبادرة، في فلسفة نور الحكمة تحمل معنى يتجاوز المعنيان معا، فالمتعلم إن لم يكن لديه حس المخاطرة لا يمكن أن يجرب، لا يمكن أن يخرج من نطاق الراحة و أيضا لا يمكن أن يرى الأمور بطريقة مختلفة، و المبادرة مبدأ مهم يتجه إلى معنى النشاط و الدينامية في التفاعل مع مواضيع التعلم و الحياة بصفة عامة.

الحب نور و السلام نور و أيضا المخاطرة و المبادرة يحملان نورا مبدئيا في نجاح وضعيات التعلم للأطفال و الكبار في الوقت نفسه.

المعلم في هذه الفلسفة، يجب أن يكون نورانيا، يحمل بالمتعلمين إلى خارج الحدود بلا خوف و بلا تردد، كل الأسئلة يتم الإجابة عنها و إن إحتاج الأمر التجريب، يتم التجريب بلا أي خوف من حكم مسبق أو أسطورة.

(بدت على ملامحه مظاهر التعب، ظلام يكتسح الخشبة، الستار يسدل...موسيقى)

المشهد الأخير: نهاية خيالية جدا

(... نسمع فقط صوته، إنه يتحدث من خلف الستار)

كان الأمر رائعا و أنا ألعب دور فيتاغورس، و الحقيقة أن هذه المبادئ الثلاثة لا تصلح فقط إلى مدرسة في الخيال أو الأحلام، ولكن يبدو لي أنها تصلح لواقعنا اليوم، مع إضافة بعض التفاصيل و التقنيات البيداغوجية، يمكن أن نتحدث ليس فقط عن فلسفة نور الحكمة في التعلم و لكن أن نتحدث عن مدرسة كاملة يمكن أن يكون إسمها: مدرسة نور الحكمة، و شعارها ربما يكون: تعلم ما بعد حدود سراب الحقيقة.

(أخرج رأسه من بين الستائر و سأل آخر سؤال)

أخبروني، هل  كنتم ستحبون الدراسة في مثل هذه المدرسة  لو كانت في الواقع؟

(اختفى وراء الستار.. موسيقى..النهاية)



 

تعليقات

أكثر التدوينات قراءة

مفهوم الجسد عند ديكارت

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة العاشرة و الأخيرة ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ السفسطائيون)

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة الثامنة ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ أناكساغوراس)

كانط في المستقبل و نصوص أخرى

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة الثانية ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ فلاسفة الطبيعة)

ينمو التفكير في عقل الإنسان ( المقالة الأولى " نحوَ فلاسفة ما قبل سقراط")