وداعا فاس
لا يهم هل تعرف المغرب أو لا، ولكنني متأكد من أنك تعرف مدينة فاس، أشهر و أقدم المدن في تاريخ المغرب، قبل مئات السنين، كان طلاب العلم يأتون من كل نواحي العالم للدراسة في جامعة القرويين، كان التجار يأتون إلى هذه المدينة لاقتناء جوهر فاس من نسيج و عطور و ملابس ذات جودة عالية…و الآن، صار سياح العالم الواسع يعرفون فاس، يأتون إليها لاكتشاف سبب صمودها كل هذه القرون… إن فاس تجربة بحث عن ذات، ولكن للأسف هذه التجربة ليست للجميع، ففي نظري، أن تعيش في فاس يعني أن تكون قادرا على رؤية ما مخفي وراء جدران المدينة القديمة: المعرفة.
جئت إلى الفاس، لأعمل ولكن الدافع الحقيقي أن أكتشف ذاتي على أرض تحدث عنها اتاريخ بطريقة مختلفة… ليس بلغة السياحة و لكن بلغة الفلسفة و التاريخ…
الوحدة و الإبداع
كشاب في عمر 29، سن القرارات الكبيرة و التغيرات الملحوظة في حياة الإنسان، حينما حطت قدمي لأول مرة في المدينة، كنت أقول: هنا سأبني مستقبلي، سأتزوج، أبني بيتا و أعمل في مشاريع تفيد المدينة، ولكن و الأيام تتراكم وجدت صعوبة في إنشاء علاقات خارج علاقات العمل، فقررت أن أبقى وحيدا، بين المنزل و العمل و أحيانا بعض المقاهي أو زيارة بعض الأثار في المدينة كلما استطعت القيام بذلك… خلال تجربة العزلة هذه، تحرر تفكيري و بدأت أقرأ أكثر و أيضا أكتب أكثر و أتعلم…
في البداية كنت أجد في الوحدة بعضا من المشاعر السلبية، كشخصيتي التي أجد صعوبة في التعريف و التعبير عنها بالطريقة السائدة و العادية… كان امرا صعبا حقا و لكنني ممتن لفاس لأنها كانت مدينة ذات جو يحرر روح الكتابة و الإبداع و لا يمكن أن أنكر أنني كتبت الكثير من النصوص الأدبية.مشروع طائر الحكمة من أهم المشاريع التي كنت أفكر فيها مذ كنت في الرباط، و لم أستطع أن أبدأه إلا في مدينة فاس…
تجربة العمل في فاس
ربما سأبدو رومانسيا، ولكن أجد أ تجربة العمل في فاس مهمة للشباب الذين يبحثون عن ذواتهم…لا يهم مجال العمل… في نظري لابد من تجربة العمل في فاس، المدن الأخرى ربما تبدو ذات فرص أكبر، أقصد الدار البيضاء، الرباط، أو طنجة… ولكن إذا كنت من الشباب الذين يبحثون عن التعلم و التطور، فجو المدينة بلا شك، سيمنحك كل ما تحتاج لكي تبدأ مشاريعك الشخصية و أيضا أن تشارك في مشاريع و مبادرات.. ففاس، مدينة تكبر، تتطور و المهم أن أهلها كرماء و يقولون نعم لأي نوع من المبادرات و المساعدات…
على أي، فاس علمتني أن ليس العمل هو المهم ولكن الجو و المناخ أيضا يؤثر على كفاءاتنا في العمل… كنت أحيانا أتمشى في شوارع فاس في نهايات الأسبوع، و في تلك اللحظات كنت أجد حلولا و أفكارا لكيف سأقوم بتصميم الدروس و تسهيل التعلم على رفقائي في الشركة التي عملت فيها..
تجربة الحب في فاس
هذا الموضوع يحيرني، لأنني عشت الكثير من الحب في هذه المدينة، ذات يوم كدت أقرر أنني سأبقى هنا، ولكن في آخر المطاف اقتنعت بأهمية الخروج من منطقة الراحة.
أحببت شروق الشمس، و نسيم الصباح الباكر، كنت أرى السماء من شرفة المنزل كل ليلة لأطول مدة ممكنة، أحبت صفاء سماء فاس… ربما تنتظر مني ان أحدثك عن تجربة الحب كما نعرفه؟ علاقة حب… للأسف لم أستطع ذلك، لأنني بصفة عامة عاشق ينتظر حبيبته، أحيانا أحب أن أتحرر من مبدأ الوفاء، ولكنني وفي في الحب…لا أدري ما هي تجاربك أنت في الحب كعلاقة…ولكن هذا الموضوع يقلقني نوعا ما و لا أريد أن أتحدث فيه.
على أي فاس،علمتني أن أحب… و أن أفتح قلبي للحياة… و لا أبحث على أن أملك شيئا…ولكن أن أمنح كل ما عندي دون أن أسأل…
تجربة الخوف
هنالك جانب ربما مظلم في مدينة فاس، و هو الأمن؟ و أنت تتصفح الجرائد في الأنترنت، ربما ستكتشف أن هذه المدينة فيها الإجرام و ليست مدينة آمنة؟ فلترتح من هذا الجانب، فاس مدينة آمنة أكثر من المدن المعروفة بأمنها … و لكن هي آمنة للأشخاص الذين يساهمون في ترسيخ ثقافة الأمن في كل مكان ذهبوا إليه، أي أن تدافع عن نفسك و تساعد الناس في حاجة إلى المساعدة..أما إذا كنت من النوع الذي لا يساهم في ترسيخ ثقافة الأمن، فأينما ذهبت، ستجد من ينتشل شيئا منك و يظلمك…لأنك تحمل ثقافة الضحية، البحث السلبي عن الأمن…لا أدري إلى أي مدى تفهم الفكرة وراء ما أحاول التعبير عنه…ولكن أؤمن أن الرسالة قد وصلتك.
وداعا فاس
أمام كل هذه المزايا و التجربة الجيدة التي عشتها في مدينة فاس لماذا رحلتي إلى طنجة؟ و إن كانت فاس تحبني أيضا و أعتقد انها كذلك…لماذا أتركها و أرحل؟ الحقيقة و كما سبق أن ذكرت في مقدمة هذه المقالة… المهم في تجربة إقامتنا في أي مدينة في العالم.. أن نتعلم منها، و نكتشف فيها ذواتنا…ولكن أيضا، ان نتحداها… و نخرج من نطاق الراحة و نبحث عن الأفضل… إن تجربتي في فاس علمتني أن احب تجربة المدينة بنفسي لا أن أحكم عليها بناء على ما يذاع في الإعلام و نظرة المشاكل و الأزمات…. أحب فاس و سأبقى أحبها إلى الأبد.
كلمات أخيرة
كيف يمكن أن تصبح أفضل في مدينة فاس؟ إن كنت تعيش فيها الآن؟ خصوصا إن كنت في سن الشباب أيضا؟ من خلال تجربتي، سأنصحك بأن تثق في نفسك و تثق أيضا في هذه المدينة، فهي تفعل كل ما تستطيع لتستقطب الشباب الموهوب إليها، و تمنح شبابها فرصة أن يكونوا مبدعين و أن يساهموا في بناء مجتمع يجيب على كل التحديات بالحب، و الجد و الطموح.. و هذه الرسالة لن تكون لفاس و في فاس فقط…فالحقيقة انه أينما كنت يجب أن تساهم في أن تجعل من مدينتك أفضل بأن تكون أنت فيها أفضل و تساعد الآخرين في أن يصبحو أيضا أفضل… كل الحب لفاس.