الصداقة: لماذا لا نكترث إلا لرغباتنا؟

 


أحاول أن أتذكر كم صديقا تعرفت عليه في حياتي، منذ الأسابيع الأولى في صفوف التعليم الأولي إلى اليوم؟ الكثير... و لكن حينما أرمي بأنظاري حولي لأرى كم صديقا حقا يفكر فيَ كما أحب التفكير في نفسي؟ لا اعتقد أن الصديق الوحيد هو أنا بحد ذاتي.

إن موضوع الصداقة و خصوصا بالنسبة لنا، نحن الكبار، موضوع لا نريد النقاش فيه كثيرا، فكم من صداقتنا فرضت علينا بسبب العمل و الحياة، فلسنا أطفالا، لنختار مع من نلعب أو نذهب نبكي لأباءنا حينما لا نجد أصدقاء يحترموننا و يقدسون ما نقدسه في ذاتنا... و في هذه النقطة، سؤال مهم: ما هي حقا الصداقة؟ و ما هي قواعدها؟ و كيف يمكن أن نبني علاقات صداقة جيدة؟

الصداقة فلسفيا

لا أريد أن أتحدث كثيرا في تفاصيل فلسفة الصداقة، لا أحد سيصدق كل ما سأقول، فغالبا الصداقة إكراه اجتماعي، ضرورة، و بلغة سارتر هي جحيم... ما قيمة الأصدقاء في الحياة؟ المساعدة؟ الاستماع لنا؟ ماذا بالضبط؟ إذا كانت رحلة الشخص و نفسه هي اكتشاف ذاته في الحياة، هل الصداقة اكتشاف لعلاقة بين شخصين؟ أم فقط استجابات متبادلة للرغبات و الحاجيات؟

إن الصداقة في تعريفها الفلسفي تحمل معنى الغرابة بين فردين يبحثان عن معني واضح لما يجمعهما، و غالبا هذا المعنى هو الوفاء، الصدق و التعاطف، إنها أفضل تعبير لمعنى ما يعيشه الإنسان و أخيه الإنسان على هذا الكوكب. بيد أنها أيضا تحدي ثقافي.

الصداقة ثقافيا

كل شيء نعيشه، تعلمنا مبادئه سابقا، أجل... أتحدث عن الطفولة، هل أنت بالغ الآن؟ أرجح أجل، تتذكر نفسك و أنت طفل؟ أول علاقاتك الاجتماعية؟ ألم تكن تحت وصاية والديك؟ طبعا... و هنا التحدي... إن لاحظت في الإشكالية قليلا ستجد أن الصداقة مكون ثقافي بداخلنا، نعيشها و الآخرين، و لكن تحت مظلة قيمنا و عقائدنا... و هذا يفسر بشكل بسيط لماذا بعض الأشخاص ننجح في صداقتنا معهم و آخرون لا... لأن الأمر يرتبط بالمكونات الثقافية التي تعلمها كل فرد طيلة طفولته و خلال أولى تجاربه في الحياة و هو مراهق... و نحن نتحدث عن المراهقة، هل تعرف أنها أفضل مرحلة لفهم التحديات النفسية للصداقة؟

الصداقة المراهقة

أجل أعتقد أنه يجوز أن نتحدث عن عمر في الصداقة يمكن أن نسميه صداقة مراهقة، فيها دينامية، نشيطة و مليئة بالمغامرات، فخلال فترة المراهقة، الفرد يحاول المستحيل ليجرب كل أفكاره و يتأكد منها، و يمكن هنا أن نرمي ببعض الأمثلة كعلاقات حب بين طرفين في البدئ لا يمكن أن تقول أن بينهما نقاط مشتركة... و يمكن أيضا أن نتحدث عن الصداقات التي تكون هي المرحلة الأخيرة في علاقة عداوة بين فردين... إن المراهقة فترة تسمح للفرد أن يبني تعريفه للصداقة، حدوده، قيمه و أيضا إمكانياته الاجتماعية.

فيكفما كانت التجربة التي تعيشها الآن في الصداقة، فحتما هنالك رسومات لا زالت بداخلك رسمتها أول مرة حينما كنت مراهقا و فعلت هذا لأنك تكترث لنفسك و سلامك الداخلي، كرسمة: لا يمكن أن أكون صديقا لشخص يكذب عليَ، يخدعني.

الصداقة الخادعة

أعتقد أن هذا الجزء هو أفضل جزء ستحب قراءته، خصوصا أن هنالك الكثير من الخداع في علاقات الصداقة اليوم؟ و لماذا الخداع؟ ربما هنا سنعود إلى عنوان المقال: الاكتراث فقط للرغبات.

أفسر الأمر بهذه الطريقة، لأن هنالك رغبات، سيكون هنالك صراع، و لأن هنالك صراع، فطبعا هنالك خداع، إن لم تقم به أنت، سيقوم به صديقك، و حتى إن لم تفعلاه معا، سيفعله شخص آخر ينتمي لدائرتكما الاجتماعية، فمن الصعب أن ندبر علاقاتنا الاجتماعية، فأغلبنا يمشي تحت ظل قاعدة واحدة: مادامت الآمور بخير، نحن بخير، يوم تتغير الآمور، سنتغير أيضا... تخايل معي، صديقان في الجامعة، كانا صادقان، يساعدنا بعضهما البعض، بعد سنوات، كل واحد فيهما عمل و تعرف على أصدقاء جدد في حياته، غالبا تلك العلاقة ستذبل إلا إذا كان هذان الصديقين حقا صديقين، و ليس فقط شخصين يتفقان على بعض الرغبات.

كيف يمكن أن نكون حقا أصدقاء لبعضنا البعض؟

هذا سؤال صعب، و لكن هنالك قاعدة بسيطة في الحياة، إذا كنت صديقا لنفسك، ستجد دائما بجانبك أصدقاء حقيقين لك كل الحياة، و لكن هذا ليس أمرا مضمونا، خصوصا في طبيعة مجتمعنا المعاصر الذي ينبني على صراع الفائدة و المقارنة الاجتماعية.... في نظري، لا يجب أن يفكر الفرد في الصداقة كأمر لابد منه في حياته، الصداقة هي نمط حياة يختارنا إذا كنا نستحقه، و ليست للجميع... و في غالب الآحيان، ربما ستكون محاطا بأصدقاء كثر، ولكن وقت الضيق، ستكتشف من حقا كان صديقا لك و من لم يكن... إن الأمر كله يعتمد على كم أنت تستطيع أن تكون صديقا لنفسك، هذه الحرية و الاستقلالية هي الجوهر، و هي التي تجذب أشخاصا مثلك لك أو أشخاصا مختلفين عنك أحبوك لأنهم يحبون تغيير نفسهم.

كلمات أخيرة

اشتقت لأصدقائي، لذلك كتبت هذه المقالة، رغم أنني أشعر بنفسي مع كل يوم جديد أنطوي و أنعزل في عالمي و أنغمس في أنشطة فردية أكثر منها اجتماعية، ولكن يبقى بالي و كل شخص أحبه، قلقا، أحيانا أتصل و أسأل عن أحاولهم و أحيانا أفكر أنه ربما حينما امنح وقتي للآخرين، يحبون امتصاصي و الاستفادة من وجودي أكثر...إن الصداقة أمر معقد...فيه حب لا مشروط، حب تملك، و أحيانا صراع من الأقوى في تلك العلاقة...خصوصا عندنا الشباب... على أي، يوما سعيدا للجميع.

تعليقات

أكثر التدوينات قراءة

مفهوم الجسد عند ديكارت

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة العاشرة و الأخيرة ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ السفسطائيون)

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة الثامنة ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ أناكساغوراس)

كانط في المستقبل و نصوص أخرى

ينمو التفكير في عقل الإنسان: المقالة الثانية ( أفكار فلاسفة ما قبل سقراط/ فلاسفة الطبيعة)

ينمو التفكير في عقل الإنسان ( المقالة الأولى " نحوَ فلاسفة ما قبل سقراط")