أفكار و حياة : حياة حكيم
الربيع
في عمر السابع عشر كان الرقي هو فلسفتي في الحياة، لطالما حدثت أصدقائي عن مفهوم السمو الروحاني، والحب الخالد، وبأن الحياة كل جوهرها في الإيمان البسيط بقدرة الإنسان بعاطفته أن يؤثر...
كنت في ذلك العمر مسنا في تفكيري، لطالما سمعت أوصافا من قبيل: تبدو أكبر من عمرك، تبدو حكيما، اسمك يناسبك.. كان الأمر رائعا وكنت واثقا من نفسي ومحبا لمن أنا.
بيد أن الحياة ليست سامية، وجميع من حولي لم يكن ساميا كفلسفة الحياة التي بدأت تكبر بداخلي، فخضت تجاربا اجتماعية علمتني و الفشل معنى أن تعيش ساميا في عالم و بيئة نظامها يتوقف على النفعية و الجدوى، يتوقف على المغزى من وجود الإنسان المادي، فكان لابد أن أضحي بعاطفتي و أمنحها غذاءً للواقع الاجتماعي، كان لابد أن أجتهد لأبدو سيئا حينما يجب أن أكون سيئا، و أجتهد في أن أكون طيبا حينما يجب أن أكون طيبا.
كأن
العالم من حولي كان يهتم لما أفعل لا لما أفكر فيه، ففي آخر المطاف، الجميع يفكر
في صمت، وما أدرانا أن بيننا فلاسفة يفكرون في صمت؟ وجبناء أغبياء نفعيون لا يفكرون و في جهر، والوقت، تعلمت حكمة الصمت، فصرت لا أكترث... أسمع. ولكن لا أتحدث إلا
حينما أشعر بالارتياح لسياق التحدث، فأفكار كثيرة بداخلي صارت لا تساوي ولا توازي
أفكار الآخرين من حولي... إيماني بالله مشتت، إيماني بمن أنا متوتر... تعريفي
للسعادة غير محدد... حكمتي في الحياة، كل مبادئها السامية، لا تنفع أي أحد، من
ضمنهم أنا، حينما يتعلق الآمر بمواجهة الحياة فكرها اليومي.
آخر ورقات الخريف
اليوم عمري
28 سنة و ما بيني و بين الثلاثين سوى آخر الورقات، و إذا سألت نفسي، ماذا تعلمت يا
حكيم من كل هذا؟ أتوتر...أشعر بالضيق.. و أهرب إلى الشرفة، لأدخن سيجارة و أفكر ...
في كل شيء سوى ماذا تعلمت من كل حياتي (حيواتي) السابقة.
اليوم ها أنا أكتب... علما أن هذه المحاولة ليست الأولى... أن أجلس لأكتب. لأكتب حقا و أخرج كل ما بداخلي بلا تردد... لقد سأمت الخوف من حكم الآخرين على ما يقوله شخص : حكيم.
اليوم ودعت حكيم، و لا أريد أن أكون حكيما أو أعيش تحت ضغط الصواب. و ربما أن تكون على صواب هو أكبر خطأ يمكن أن ترتكبه في حياتك...ربما هذا ما تعلمته و ربما هذا هو جواب السؤال...بيد أنه يبقى مرتبطا ب (ربما) ما أقول ليس حقيقة... لا أريد أن أثبت حقيقة لنفسي... على الأقل ليس الآن...
الآن. أريد فقط أن أتمرد على الإيغو التافه
بداخلي، الذي دائما ما يذكرني بأنني ذا قيمة و أحيانا ربما أنا مركز كل الوجود من
حولي... بنرجسية غير مبررة يسقطني في مآزق القلق و الشعور بالعار و عدم الرضا...
اليوم ها أنا أكتب... ولا أدري إلى أي حد أنا أجتهد... لأعبر.. وأخرج كل ما بداخلي... إخراج اليقين... هل تعلم يا حكيم... هل تود أن أخاطبك مباشرة؟ هل تعلم أنك رجل عظيم. هل هذا هو ما تحب أن تسمعه؟ دائما؟ من الآخرين... لا داعي.. أنا الآن أخبرك...أنت رجل عظيم... و لكن لن تكون أكثر عظمة إلا حينما تفهم أنه لا يهم أصلا أن تكون عظيما من أن لا تكون... صحيح انك تقضي كل الوقت تفكر كما لو أن العالم توقف عن التفكير و لم يتبقى سوى أنت: المفكر الوحيد. صحيح أنك مركز للتفكير الفلسفي والريادة الإبداعية...كل شيء في ما تفعله صحيح... و لكن لا تنسى. أرجوك لا تنسى... لا تنسى أن الهدف من حياتك...هو ألا تركز فقط على نفسك... و على أن تمنحها كل ما تطلب أو تسأل...علم نفسك. علمها أن تطلبها انت و تسألها أنت...علمها أن تخدمك. لا أن تخدمها... و تذكر أيضا أن خدمة الذات هي خدمة لروح الشر و تعليم الذات أن تنصت لك و لصوت الحكمة هي خدمة لروح الخير... تذكر دائما... تذكر... أن هنالك دائما طرق أخرى...
اليوم ها أنا أكتب.. وأشعر هذه اللحظة بأنني حقا أخرجت يقينا بداخلي...يقينا ربما سيمنحك السلام، أيها الغريب الذي تقرأ لكارل جبران، رجل المستحيل.
غيمة شتاء
كان حديثي مع أنس مربكا ومليئا بالحقيقة، شعرت بنفسي أواجه صورة قديمة من ذاتي، يذكرني الأمر بأزمة المراهقة، حينما لم أكن أفقد الأمل بسهولة، بخصوص أمور، ربما الواقع سبق وحسم فيها الأمر، فأبقى مصدوما لا أستسلم في الإيمان بأفكاري، بيد أن مع الوقت أنساها دون إدراك لكثرة ضغط الواقع، الذي يعيش الحاضر ولا يكترث كثيرا لماضيه، أو ماضي الأفراد فيه...بدأت أرى إلى أي مدى يمكنني أن أحب الحياة وأنس، وإلى أي مدى يمكن أن أغضب من أنس وأغضب أيضا من الحياة.
حدثني أنس عن قيمة التسامح وأهمية أن أسامح نفسي أولا والآخرين الذين أعيشه معهم نوعا من الارتباط المشكلة، الارتباط غير الكامل، كارتباطي بأسرتي، أو بمفهوم الحب الذي أبحث عنه في رفيقة حياة، تفهمني، تحبني، وتشارك معي كل ما بداخلي من أحلامي وخارجي من تحديات.
لطالما كانت صداقتي بأنس مرتبطة بالبحث عن الحقيقة والمعرفة وسبل النجاح في الحياة بمبدأ الحرية والتمرد على السائد، بيد أن الحياة بداخلي سوداء اللون كغيمة شتاء، تدفعني اليوم لأرى صديقي أنس، كأب لي أو كقديس يرش علي مياه مقدسة ليخمد نار الشيطان بداخلي، نار الانصياع للشر و إساءة ذاتي بأفكار الانتحار أو الانكسار النفسي.
من الصعب أن يتحكم الإنسان في عاطفته و فيما يعيشه من تجارب سعيا في الحب و السلام... اليوم أحببت صديقي أنس لأنه تحدث معي بطريقة صارمة و أيقظني من أحلام يقظتي و شرودي الذي كنت أرتحل فيه لساعات، أياما و أحيانا لأسابيع دون أن أحتسب أن هنالك واقع خارجي، يجب أن أكترث أو أنتبه له، و أراه بنظرة تختلف عن نظرتي لنفسي... اليوم أتمرد بل أثور عليك يا حكيم و أسامحك و أرجو أيضا أن تسامحني...
اليوم أرمي كل نيراني في البحر، و لتكن يا حكيم...لتكن لي هدوء البحر و لتمنحني من هدايا البحر أسرارا تفيدني في الرحلة... اليوم أحررك... و أرجو أن ترتاح...فلا شيء نبحث عنه الآن سوى هذه اللحظة التي بين أيدينا... لا شيء ننتظره سوى أن يبقى إيقاع اللحظة مستمرا... و لا نخاف من أي شيء سوى أن نفقد بوصلة الحياة من جديد...
أكثر من إسم
نورة، أنت أكثر من اسم. أنت قضية أعيشها... وما فيك مني...فليبقى فيك.. وما فيَ منك...فليبقى فيَ... الحب يتعدى الحب... الحب طريق صعبة لتعلم الحب نفسه. اليوم تعلمت ما هو الحب، اليوم تعلمت أن أسامحك...وأن أحبك كما أحب نفسي...وكما أريد لنفسي أن تبقى.. أريدك أن تبقي. بداخلي... أملا في الحياة وحلما يتحقق بالتسامح وحب الذات قبل الآخر.
نورة، أنت أكبر درس أعيشه وأمر فيه وبه... أنت الوجه الحنون للقسوة...فشكرا لك ... لأنك منحتني ما لم يمنحني إياه أحد...الشعور بأن هنالك ذات بداخلي. يجب أن أكترث لها حتى حينما لا توجدين بجانبي لتحثيني على أن أكترث لذاتي وأعتني بنفسي كأنك بجانبي.
محبتي لك تتعدى محبة الرجل للمرأة. محبتي لك تقترب من إحسان العبد للإله.
أنا أحسنت لك، وأريد أن أبقى دائما محسنا لك، صديقا لك، بداخلك وطن وبخارجك غريب بعيد.. ربما يوما ما ستجمعكما الحياة من جديد، تماما كما قٌرر أو أحد بينكما قرر أن يترك الآخر يحدد مصيره لوحده. نورة، أنت مصيري، الذي تنعطف بي الحياة بعيدا عنه، فهل ستجريني إليك أم تتركينني أنجرف؟
وداعا حكيم.
ك.ج