مراجعة في القيم : الفصل الأول ( عن كثب)

مرت أربع ساعات، و تحت تأثير موسيقى الجاز، الشاي المغربي و التبغ الرفيع، لا زالت أفكار تجادل أخرى بداخله، يريد أن يكتب حول القيم، أو بالأحرى يريد خوض المعركة القديمة و نفسه، معركة القيم.

تذكرني هذه اللحظة ، بيوم مماثل قبل سنوات، كان يبيت الليل كله محاولا الكتابة في موضوع الحرية، وكان ما خلص له في النهاية، مجموعة من النصوص المتفرقة سماها: " اعترافات عصفور" في كل مرة أعيد قراءتها تتضح لي فكرة أن الليالي التي كتب فيها كل هذه النصوص، لن تفارقه حياته كلها… و هذا ما يحدث الآن، يحاول أن يكتب، بيد أن النص الوحيد الذي كتب حتى هذه اللحظة، ليس إلا بعض الأسئلة التي ارتكم بعضها ببعض فصارت سؤالا واحدا : "ما الفرق بين أن تعيش بالقيم و أن تعيش بدونها؟" إنه مرتبك، كأنه في أزمة قيم يحاول التمرد أو الانتفاض،  و في الوقت نفسه عقل حر يحاول بناء المعنى بشكل مستقل… غاب في حاسوبه لحظة الكتابة، و الأمر من وجهة نظري لا يساعد الكاتب في تركيزه، ولكنه يفضل ذلك، يحب أن يتحدى نفسه في بحث دائم على عادات جديدة في الكتابة، لطالما تساءل و نفسه:" البحث عن الكتابة أم البحث عن شروطها… ؟ "  و  موضوع القيم بالذات  يشكل مصدر توتر و قلق له، إذا لم أبالغ قولا بأن ذات الموضوع يشكل مصدر توتر للعالم أجمع… أراه الآن  غير قادر على الكتابة كعجوز مرهق و تعبان، يحاول توثيق لحظات موته البطيء في خياله وأفكاره…. و لا أرى الأمر بعيدا عن هذا التشبيه، فحقا مراجعة القيم موت وانبعاث جديد في ذات المفكر أو الفيلسوف.


مرت ساعتان لحد الآن، و لا زال الأمر على حاله، موسيقى الجاز، الشاي المغربي و التبغ الرفيع، لا زالت أفكار تجادل أخرى بداخله، و لكن الأمر مختلف الآن ، أرى أنه يحاول الكتابة في موضوع آخر و يهمس لذاته : " لا يوجد أي فرق بينهما، إن الإنسان إرادته، وما القيم إلا انعكاس لإرادة الناس، و مراجعة قيم الناس هي مراجعة لارادتها … " ما فهمت من همسه أنه قد انتقل من مستوى إلى مستوى آخر في حديثه و أفكاره، و هو الآن يحاول التوجه إلى بيت القصيد، معركة الإرادة. 


و أنا أتأمله، أرى نوعا آخر من الارتباك، فماهي إرادته؟ ولماذا قال أن القيم ماهي إلا انعكاس لإرادة الناس؟ أسئلته تدفعني إلى التفكير بطريقة مختلفة، فإذا كانت إرادة المجتمع غير متوازنة، واضحة و قوية فأرى أن القيم سيجري عليها أثر الفوضى و الغموض و الضعف، مثلما تختلط على الفرد قيم الدين وقيم الدولة، يصبح حاملا لقيم لم يبنيها بنفسه، ولا تعبر على إرادته واختياراته الحرة ... ربما أفهم الآن إلى أي اتجاه يتجه تفكيره… و أراه الآن منسجما و لحظة الكتابة، يبدو أنه عثر على تردداته… اقتربت منه، و بدأت أنصت أكثر إلى أفكاره، كان همسه متكاثف المعاني…

ك.ج