عالم الإنسان ما بعد الإنسان
أحيانا يكون السؤال
مهما، وأحيانا أخرى يكون الجواب أهم من السؤال، لابد أن تتلقىَ المعرفة، ليس مهما
أن تبنيها، الحقيقة ليست مثيرة إذا كان الهدف من الحياة لا يرتبط بالفهم، بل
بالطمأنينة. لذلك تُعتبر الأجوبة الجاهزة التي تقدمها الثقافة للأفراد غذاءً روحيا
ونفسيا لا بد منه كي يكون وضع الحياة الاجتماعية مستقرا.
هل أنا محتاج لبناء
الأجوبة عبر الأسئلة أم إلى تلقيها سلبا من الثقافة؟ هل أنا بحاجة إلى فهم نفسي والعالم
من حولي أم إنني محتاج للتغذية الثقافية كي أنمو بين الناس وأعيش مرتاح البال
تعمني السكينة؟
يكمن الجواب الصحيح في
عملية البناء، وتكمن الحقيقة، عكس ذلك، في تلقي
الأجوبة، إن الصحيح لا يعبر عن الحقيقة في المجتمع الإنساني، هذ الأخير يتأسس على
المُتفق عليه، لا على المنطقي العمل به.
إن الهدف من الحياة
بالنسبة للكائن الإنساني "الثقافي" هو الاندماج في المجتمع بالطريقة
السائدة، العادية... الإنسان كائن سائد، لأنه هكذا يصبح الآخر، والآخر يصبحه،
يتكون ما نسميه بالمجتمع، نقطة القوة في التأقلم والتطور ومواجهة غرابة هذا الوجود
(على ما يبدو).
لو أُعطيَتِ الفرصة بشكل
حر لكل فرد أن يكون فيلسوفا أو عالما أو مفكرا، فسيدخل في مغامرة بناء فردانية
للحياة، تختلف أبعادها عن التمثلات السائدة، يصبح غريبا، بمعنى آخر، يصبح مُبدعا،
يقضي أغلب حياته في علاقة مع نفسه و مع الطبيعة، لا مع الثقافة، و بهذا تدخل هذه
الأخيرة في حالة سبات، لا حالة نشاط، ستموت حتما... و هكذا يصبح الإنسان كائنا
يبني ذاته بذاته و بنوع تفاعلاته مع البيئة من حوله، و إن ْكلُ فرد في العالم يقوم
بهذا، فلن نتحدث عن مجتمع متماسك بتمثلات متفق عليها تحدد طبيعة النشاط في الحياة
اليومية، سنتحدث عن أفراد تجمعهم أبعاد الزمكان، يتفاعلون فيما بينهم بعقولهم و
أحاسيسهم التي لا منبع ثقافي لها، يصبح العالم شيئا غريبا جدا: ربما هنا، يمكن أن
نتحدث عن عالم الإنسان ما بعد الإنسان.
ك.ج