رسائل: الخيال المقدس

إن الإنسان يعيش بالخيال، أحيانا في الخيال ونادرا بغية في الخيال، فتاريخ الإنسان وتطوره يؤكدان وبلا شك أن منطقة الراحة التي يجد فيها الفرد ضالته، هويته والانتماء هو الخيال الذي يتعدى الخيال نفسه، إنه الخيال المقدس.
إن الخيال المقدس حالة وجدانية تربط الفرد بآماله، تحرسه من مخاوفه وترسم بسمة الحياة على ملامحه، تدفعه للحياة بفؤاد نبضه التفاؤل. يحدث هذا لأنه يؤمن بواقعية الخيال الذي يقدسه، بقوة يؤمن به إذا أصبح موضوعه موضوعا جماعيا، ممارسة جماعية وعقيدة تجعل الفرد والأغيار من حوله عضويا مرتبطين وهذا يحيلنا بشكل أو بآخر على قوة الأسطورة والخرافة من جهة وسلطة الدين من جهة أخرى.
بما أن الإنسان يبحث عن الراحة والسلام النفسي، يبحث عن الانتماء في معناه الجوهري، فإن الإيمان بخرافة، تمريس أسطورة أو الافتخار بالانتماء الديني لا يخلق أية مشكلة على مستوى حق العيش الحر، لكنه يخلق مشكلة كبيرة على مستوى غاية الخيال نفسه، فتقديس الخيال يرهن الإنسان بدور محدود لملكة الخيال كامن في ترتيب تراجيدي لعبث الحياة من حوله، غموضها وقساوتها وعدم قدرته على فهمها وأحيانا تقبل طبيعتها.
 إلا أن الخيال دوره واسع و حر لا يكمن فقط في تقديم تمثلات مقدسة للواقع و حول الواقع اتكالا على معاني و دلالات تجعل الفرد منفيا عن الواقع محبوسا في فكرة سماوية، بل يكمن دوره في ترتيب الفرد لأشكاله النفسية، و في تحرير ملاحظته العلمية من حالة الجمود و الوصاية إلى بناء تصور للواقع لا ينفي الفرد إلى منطقة راحة تراجيدية بل يرحب به فيه و يجعله حيا هنا و الآن، متواصلا ومتفاعلا مع نبض الحياة و مجراها، لا ميتا الآن و هنا، غائبا في تفاؤلِ أن يحيا في عالم آخر لا خريطة إليه سوى فكرة سماوية منبعها خيال مقدس و غالبا تكون عليه وصاية.
ك.ج