صخرة في نهر العبث

أفرغ نفسه من نفسه حتى صار والفراغ معنى واحد، لكن الحقيقة أن الفراغ ليس فارغا... وذلك ما اكتشفه بعدما تهيأ له أن تحرر من كل الذكريات بل من كل العبارات والكلمات... قال: " كنت أعتقد أنه من السهل أن أنساني لكن الواقع أنني أصبحت أراني بوضوح، بل عملية النسيان هذه رتبت الماضي بشكل جيد، يجعلني أتألم وأعاني بشكل جيد..." لم يجد حلا إلا أن يتقبل نفسه و يكتب عنها نصا و يتخطى حرب النسيان و فقدان الذاكرة، بعد ساعات من الكتابة و التشطيب، قرر أن يترك بعض العبارات التي رأى فيها نوعا من التعبير الصحيح عن الهوية:
" لست إلا ذكرياتي وقساوة هذه الذكريات هي التي ترسم لي خطط حاضري وهذا الحاضر ليس إلا تهيئا لعينا للمستقبل وما المستقبل إلا وهما لا ينتهي لكن الذكريات هي منبعه وكل تلك الذكريات، ذكريات الحرب، ذكريات العنف، ذكريات الخسارة، ذكريات الضعف، ذكريات الحسرة، كلها ليست إلا آيات مقدسة كتبها الإله قبل أن أولد، كتبها ليسخر مني ويسخر من كل إنسان قرر أن يفرغ نفسه من نفسه ويرحل بعيدا نحو الصمت، حيث لا شيء يحمل معنى ..."
من الصعب اعتبار الذاكرة جوهرا للهوية، لكن تجربته جعلته يرى الأمر كذلك، جعلته يلعن الإله، بل يلعن نفسه ويرمي بها في وهم الزمن، ليصبح فيما بعد مجرد صخرة تتدحرج في نهر من العبث. غير أنه من العادي أن يتحول الأفراد إلى صخور ما دام العالم الذي يعيشون فيه، عالم حرب، عنف، خسارة، ضعف وحسرة.
ك.ج