رائحة أزير و شاي الجبل

قررا أن يزورا نهرا جباله تقطنها قبائل منذ قرون، قررا ذلك لأنهما يؤمنان أن ما سترى أعينهما هنالك إضاءاتٌ لغموضٍ كبيرٍ يعمُ تفكيرهما حول تاريخ المنطقة وتطورها.
استيقظا باكرا وسافرا على متن حافلة تتجه لمدينة الراشيدية، هذه الحافلة معروفة عند الجميع بأنها لا تخذل المسافرين، إنهم يصلون محطاتهم، لكن سرعتها البطيئة تجعل الكل يشعر بأنه لن يصل أبدا. أربعون كيلومترا استغرقت فيها الحافلة حوالي ساعة من الزمن...أخيرا وصلا، لكن لازال أمامهما طريق معبد طويل وجب عليهما أن يتمشياه وذلك ما فعلا، وفي تلك اللحظة بدأت رحلتهما الاكتشافية.
قرية بقرية، قبيلة بقبيلة حتى وصلا دوار مدرار حيث فيه سيقضيان قليلا من الوقت راحةً، استعدادا لإتمام الرحلة نحو قرى أخرى كممالك النحل أو النمل مختفية وراء الجبال.
كان الدوار مهجورا طيلة النهار، تعجبا كثيرا، أين الجميع؟ في الحقيقة، الجميع ذهب ليبحث عن آخر ما تبقى من أعشاب أزير التي تغطي الجبال، هذه النبتة الجبلية التي أصبحت مصدر رزق بل مصدر ثروة أيضا بالنسبة لأهالي كل القبائل التي تعيش على ضفاف وادي آيت عيسى.
ارتاحا لساعات، واستأنفا الرحلة، خطوة بخطوة، جبلا بجبل حتى وجدا أنفسهما على ارتفاعات عالية، لا شيء بينهما وبين السحب إلا الأجنحة التي تمنيا لو كانت عندهما كي يستطيعان رؤية هذا المجال القروي من السماء، لرؤية كيف ينتشر الناس بين قمم هذه الجبال بحثا عن أزير من الفجر حتى الفجر.
من الصعب جدا أن أصف كيف كانا مندهشان من هذا المكان، ولكن من السهل جدا أن أصف كيف أكلا التين والعنب والتوت وكيف استمتعا بشرب مياه السواقي التي تجري أسفل الجبال منتقلة من قرية لقرية دون معرفة منبعها الأول وإلى أين تتجه في آخر المطاف.
كان هدفهما هو أن يصلا إلى نهاية هذا النهر، الذي يقال إن نهايته في قرية البور، لكنهما لم يحققا هدفهما، على عكس ذلك، حققا أهدافا جديدة ومختلفة تماما عما كانا مخططان له، لقد شعرا بأن الهدف الأسمى هو أن يعيشا اللحظة، أن يستمتعا بالجو البارد، أن يدخنا سجائرهما هنا وهنالك ويرميان بأنظارهما في كل شيء من حولهما، والحقيقة أن كل شيء من حولهما كان ممتعا، كان مصدر فرح ومرح.
سرعان ما حل الليل، وأظهرت السماء هنالك عجائبها، لدرجة أنهما توهما أن السماء هنالك تبدو بعيدة، وكيف ستبدو بعيدة وهما على ارتفاعات عالية؟ ربما لأن للمنطقة سحر خاص يجعل الشخص يرى كل شيء بعيد، منفيا بين الأشجار والحجارة، مُختفيا، لا فرق بينه وبين أي ثعلب أو كلب بري يعيش هنالك.
عادا أدراجهما مع غروب الشمس إلى دوار مدرار، استحما، أشعل كل واحد هاتفه، ورحلا إلى عالم الديجتال حتى شعرا بالنعاس وناما.
حل صباح جديد، تمشيا نحو الطريق المحلية، انتظرا وسيلة نقل حملتهما وأهالي القرى وأزير أيضا نحو بني تدجيت، كانا متعبان جدا، لكن غير التعب، كل واحد منهما وكيف كان يعيد نسج قصة الرحلة التي عاشاها معا.
قال أولهما الذي كان ضيف صديقه في بلاده:
 " وداعا يا جبال التوت وأزير، ربما لن أعود إليك أبدا أو ربما سأعود...بيننا الزمن والحنين... "
 أما الثاني فقال:
" كيف سأودعك وأنت بلادي؟ لا أعرف متى سأعود إليك، لكنني لن أنسى أبدا رائحة أزير وشاي الجبل ورؤية صديقي وهو يأكل التوت لأول مرة..."

ك.ج