رسائل : ما بين قوسين

إذا الإنسان المعاصر باحَ حق البوحِ فلن يبوحَ إلا بالتالي:
" أستيقظ كل صباح ولا أعرفني، أنام دائما دون أن أتذكر كيف كنت في الصباح! أيامي كلها، لا أعيشها عبثا، ولكن أكثر من ذلك، إنني أعيشها مختفيا تماما عن وجودي الأصيل، وجود لم أعد أستطع التواصل معه! هنالك الكثير من الأحاسيس والعواطف التي صارت تنشط لوحدها!  لأنها مرتبطة بالعالم الاجتماعي من حولي، إنها ليست مرتبطة بي! ما بداخلي كله ليس إلا انعكاسا للإنسان الاجتماعي المحتم أن اكونه كي أعتبر كائنا... يا لهذه الحاجة الماسة التي تدفعني إلى التعرف عليَ عبر حياة وارتباطات لا تستحق أن تعاش! لا تستحق أن تكون... "

وإذا كارل فسرَ هذا البوحَ حق التفسيرِ فلن يفسرهُ إلا كالاتي:
" كل ما يهتم له العالم ويعمل جاهدا ليصله تعبا سأختزله ما بين قوسين: (الحاجة الماسة إلى التعرف على الذات عبر حياة وارتباطات لا تستحق أن تعاش! لا تستحق أن تكون...) إن الإنسان منذ ولادته يتعلم شيئا واحدا: كيف يجب أن يختفي عن ذاته بسرعة! المعنى المبتغى من هذه العبارة هو تربية الإنسان على أن يكون مظهرا شبه كامل لحاجة العصر من الولادة. إذا قمنا بنظرة خاطفة في التاريخ الإنساني سنفهم أن إنسان الألفية لا يعرف أصله وفي الآن لا يعرف مصيره، إنه يعيش ما بين القوسين: يعيش تحت ظلال الحاجة الماسة لأن يتعرف على ذاته بشكل، سأتجرأ قائلا بأنه مستحيل، فالتعرف على الذات يشترط التحرر من نمط الحياة، أقصد بالحياة تلك التي لا تستحق أن تعاش، حياة مغزاها أن ينسى الفرد ذاته ويختفي عنها مغتربا بين حالات نفسية مُرهقة ووضع اقتصادي مُشَيء وانتماء اجتماعي سَالب."
ك.ج